لم ولن يضيق وطنٌ بأهله

د. حميد بن مهنا المعمري

 

أسرع الخريف في قدومه إلى محافظة ظفار الجميلة، مُصافحا جبالها الشّم، ومهيجًا بحرها الطم، الذي تُسْمَع نغمات تسبيحات موجه من بعيد، خاصة عندما تُمازح أمواجه أقدام الجبال الشاهقة، وفي ذات الوقت منذرا بأجواء خريفية رائعة كروعة أهل عُمان، وقد جاء مسرعًا هذه المرة متماشيا مع سرعة وتيرة إحلال الباحثين عن عمل من شباب هذه البلاد الطيبة في مكانهم الذي يُليق بهم، على امتداد رقعة عُمان.

ومما لا يخفى على أحدٍ أنّ من الثقافة الجمعيّة عند أهل عُمان، تنقّل أهلها بين محافظاتها وولاياتها، خاصة في الإجازة الصيفية؛ لتنوع مفردات طبيعتها، واختلاف درجات مناخها. ولمحافظة ظفار نصيب الأسد من هذه الزيارات والتنقلات والرحلات الصيفية؛ بما تمتاز به من أجواء استثنائية، كأخلاق أهلها الاستثنائية من كرمٍ عُماني عربي أصيل، وسمّو أخلاق رفيعة المستوى، وتعاون في أعلى درجاته، وهذا-بفضل الله- وجدناه ماثلا يمشي على قدمين في شخوصهم الكريمة التي شاهدناها والتقينا بها، أو تعاملنا معها.

ومع هذا كله وفوق كل هذا؛ فإن للحالة الاستثنائية التي يمر بها العالم ألقت بضلالها على محدودية التنقل في العام المُنصرم؛ فكان لصوت اللجنة العليا المدوّي في الآفاق، والتي صدعت به فاستاخ له الدهر ونصت، من عدم التزاور والتنقل والرحلات؛ حفاظا على صحة الجميع؛ فاستجاب المواطنون، لتلك القرارات وامتثلوها حرفا حرفا.

لكنّ السؤال القصير في صيغته، العميق في تأثيره على نفسيات المواطنين، هل يمكن للجنة العليا، -غير مأمورة- العمل بالقاعدة المشهورة (لا إفراط ولا تفريط) في زيارة خريف صلالة لهذا العام؟

وبصيغة أخرى مُغايرة، أقمنا أنقاضه على أعتاب إجابة اللجنة العليا المُرتقبة على السؤال الأول، هل نستطيع أن نَعِد أبناءنا بعد إنجازاتهم في الاختبارات الإلكترونية التي قريبًا، وقريبًا جدًا ستطرق الباب للدخول إلى منصات المنازل، فهل نستطيع أن نعدهم برحلة خريفية؟ ليتعانق الشمال بالجنوب، ويتعلق الشرق بالغرب.

إن النظام الذي يُساعد على الانتظام مطلوب بقوة، والاستعداد المُبكر لهذه الظاهرة الجميلة، بحشد الإمكانيات وتوفير الخدمات، عاملان يساعدان على عدم تجمهر المواطنين في بقعة معينة، بل سينتشرون في الأرض يبتغون من فضل الله؛ لأن الخدمات الضرورية تناديهم بجاهزيتها في كل فج.

أمّا تعطيل الحركة وحرمان الناس من تغيير الأجواء؛ فهذا موتٌ قبل الموت، وفناءٌ قبل الفناء، وركودٌ اقتصادي مقيت، يُصيب الدولة في مقتلٍ؛ فعُمان -بحمدالله- بخير، وفي خير؛ فانشروا الخير؛ فلم ولن يضيق وطنٌ بأهله..