حمود بن علي الطوقي
أجريتُ مُداخلة عبر إذاعة "بي.بي.سي العربية" حول الخبر الذي تصدَّر الصحف ووسائل الإعلام الإلكترونية ومفاده خروج نحو أكثر من 200 ألف وافد وترحيلهم بسبب الأوضاع الاقتصادية التي تعيشها البلاد بسبب عدم قدرة الشركات على الإيفاء بمتطلبات بقاء هؤلاء الوافدين، والذي أدى أيضاً إلى فقدان الاقتصاد لمتطلبات الدورة الاقتصادية التي كان الوافد مصدراً أو طرفاً مهماً فيها.
ومن بين متطلبات تلك الدورة الاقتصادية: متطلبات المسكن والمعيشة والتنقلات وغيرها من مُتطلبات الحياة التي تدير عجلة الاقتصاد. وقلت في تلك المُقابلة إنَّ خروج هذه الأعداد لاشك سيؤدي إلى ركود اقتصادي في الجوانب التي كان للوافد بصمته فيها أثناء فترة عمله في عُمان، وخروج نحو 200 إلى 300 ألف وافد لا يعني أننا نستطيع توفير فرصة عمل آنية وفورية ليحل المواطن محل الوافد، ويجب علينا أن ننظر إلى الأمور بنظرة فاحصة وهي أنَّ اقتصادنا ما زال صغيرًا، وأنَّ الدورة الاقتصادية التي تساهم في دخل المواطن من صاحب العقار والمطعم والشركات الخدمية تحتاج إلى وجود الوافد، الذي برحيله وجدنا عشرات؛ بل المئات من الشقق والوحدات العقارية فارغة نتيجة عدم وجود المستأجرين. صحيح أنَّ الوافدين الذين رحلوا هم من جنسيات مُحددة، لهذا يجب أن نفسح المجال لدخول جنسيات أخرى ذات قدرة اجتماعية على العيش في عُمان، وأن يكون وجودهم في عُمان مكسباً لنا ولهم في نفس الوقت.
لم أكن أنوي الحديث عن الموضوع وهذا النقاش؛ لأني أعلم مسبقاً أنه لا يسُر الكثيرين، ويعتبرون أنَّ الوافد جاء لكي يزاحمنا في لقمة العيش، وهنا يجب أن تكون قراراتنا مُحفزة ومُشجعة لكي يجد الوافد ضالته في الاستثمار بجزء من مدخراته في عُمان، إذ على سبيل المثال بدلًا من أن يقوم الوافد بتحويل كل دخله إلى بلاده، علينا أن نُشجعه على الاستثمار في السلطنة، ونوفر له البيئة الجاذبة لاستثمار مدخراته في البلاد، وهنا يجب أن تكون القوانين مُشجعة له بأن يمتلك العقار مثلاً، ونخلق بالتعاون معه اقتصاداً ديناميكياً، ونزيد من فرص نمو الناتج المحلي الإجمالي الذي شهد تراجعاً في السنوات الماضية.
القطاع العقاري، في اعتقادي أحد أهم القطاعات التي ستجذب المستثمر الأجنبي على الإقبال على الشراء وسوف يضخ أموالا كبيرة تساهم في دفع عجلة التنمية.
ودعونا نتحدَّث عن واقع المشكلة المُتمثل في وجود عمالة وافدة ماهرة وغير ماهرة، هذه العمالة جاءت إلى البلد بطرق شرعية ويعملون تحت مظلة القانون، ونحن أطلقنا عليهم "عمالة هاربة" و"عمالة تعمل في التجارة المُستترة"، لكن لو تأملنا هذه المشكلة سنجد أنَّ المواطن جزءٌ من المشكلة.
فما الحل؟
هنا نتطلع لأن يتم وضع الحلول والمُقترحات التي تجعل من الوافد مُساهمًا في دفع عجلة التنمية، صحيح أننا نعيش أزمة باحثين عن العمل وصحيح أن لدينا أكثر من 70 ألف باحث عن عمل حسب الإحصائيات الرسمية، وصحيح أنَّ نسبة التعمين في القطاع الخاص لم تتجاوز 12%، وصحيح أن لدينا أكثر من مليون عامل وافد (دون احتساب الأسر)، لكن هناك حقيقة أخرى لابُد من ذكرها في هذا الإطار وهي أننا لم نستفِد من هذا الوافد بطرق مهنية؛ وهذا يتطلب منِّا التفكير بلغة الأرقام، وكيف نستفيد من وجود أكثر من مليون وافد، وبدلاً من أن يكون عالة علينا، نجعله شريكاً مُحبًا لتدوير أمواله في البلاد خاصة أصحاب الدخول المرتفعة.
نعيش بالفعل أزمة اقتصادية بسبب التراجع الحاد في أسعار النفط؛ كونه المصدر الأقوى الذي نعتمد عليه، لكن الحكومة تسعى للخروج من هذه الأزمة بأقل الخسائر، كما إن جائحة كورونا عطلت عجلة التنمية، لكن في المقابل يجب أن نعترف بأنَّ هناك تشريعات وقوانين لابُد أن تساعد في إعادة عجلة التنمية إلى الدوران، وهذه التشريعات يجب أن تكون مشجعة ومحفزة لجذب الاستثمارات الأجنبية ودخول مستثمرين جدد بإمكانيات وقدرات كبيرة تحقق مفهوم الشراكة، بحيث يكون الجميع مستفيدًا؛ الحكومة والمواطن والوافد.