الحكومة.. خطوة أبعد للأمام

 

مسعود الحمداني

samawat2004@live.com

 

فخورٌ أنا بهذا البلد، فخورٌ بشبابها الواعي، وحكمة سُلطانها، ورقيّ رجال أمنها، ففي الوقت الذي تقمع فيه السلطات الأمنية العربية شعوبها، وشبابها، وتصم آذانها عن طلباتهم، تثبت السلطنة قدرتها على ضبط النفس، وتنساق نحو صوت الحكمة والعقل، ويصدر جلالة السلطان المُعظم- حفظه الله- مجموعة من المبادرات التي أتت بثمارها بشكل فوري، فانفضت الاعتصامات، وانتهى الأمر على الأقل إلى المدى الذي يمكّن الحكومة من التقاط أنفاسها، وإيجاد حلولٍ لمُشكلة الباحثين عن عمل، وتعيد تقييم ومراجعة بعض القرارات الأخيرة التي أدّت إلى احتقان الشارع، وغضب المُواطن.

ولأنَّ الجميع مسؤول عن الوطن، كل من موقعه، علينا أن نقف وقفة شفافية، ومحاسبة للذات الجمعية، فلا الحكومة تحتاج إلى التصفيق لقراراتها، والتطبيل لها، ولا المواطن يحتاج إلى مزيد من الضغط، والقرارات التي يراها غير مناسبة قي وقتها الراهن، فكل القراءات تشير إلى أن الكثير من الأخطاء، والتسويف، والتأجيل، وبطء اتخاذ القرار حدثت في الماضي، في السنوات العشر الأخيرة، وهذا ما أوصل الحال إلى ما هو عليه، وأعتقد أن وقت المحاسبة الجادة قد حان، لأن ترك الأمور على عواهنها قد يكلف الوطن الكثير إذا لم يتم دراسته، والاستفادة من دروسه، ومعالجة الأخطاء التي وقعنا فيها، والبناء على النقاط الإيجابية.

ولعل أحداث 2011 ما تزال حاضرة، والتي أعقبها توظيف آلاف الشباب، وهي الشمّاعة التي يعلّق عليها بعض المسؤولين كل النتائج اللاحقة، ويرمون عليها الإخفاق الحكومي، والعجز المالي، والقروض المتتالية، ولكن في المُقابل: أليس هذا معناه عدم ديناميكية الحكومة؟ وافتقارها للحلول والبدائل لسد الفجوة بين التوظيف "المفاجئة" ومصادر التمويل؟ ألم يكن عليها طيلة تلك الفترة أن تُوجد البدائل الاقتصادية والتجارية والاستثمارية لكي تغطي العجز وتقلل من السحب المتتالي من الاحتياط الاستراتيجي للدولة؟

ثم.. ما هي المشاريع العملاقة التي أقيمت واستوعبت الشباب أو تلك المشاريع الإنمائية التي سعت لسد العجز والتقليل من الاقتراض؟ ألم تكن تلك السنوات العشر كافية لإيجاد حلول مبتكرة للإيرادات أم أنَّ الحكومة تركت الباب على مصراعيه لمصاريف تشغيلية وإدارية لا محدودة دون وجود عائد مالي حقيقي، أو قيمة مضافة للاقتصاد الوطني؟ أيّ أن المسؤولين وقفوا في موقف الدفاع، ولم يتحولوا للهجوم لمعالجة الخلل المتراكم في ميزانية الدولة نتيجة عدم وجود أفكار خلاقة والافتقار للقرار الجريء والسريع للاستثمار الحقيقي ذي العائد المرتفع.

إنَّ ما وصل إليه الشباب من إحباط لم يأتِ بين ليلة وضحاها، ولكنها تراكمات متتالية من إخفاق عام، فلا السياحة تطورت، ولا التشريعات التجارية والاستثمارية لبّت المتطلبات، ولا الموقع الاستراتيجي أسهم بالدور المنشود في رفد الاقتصاد، ولا الموارد الطبيعية وُجّهت التوجيه السليم ليستفيد منها الوطن، وينعم بها المواطن، فظلت كرة الجليد تكبر، وصعب التحكم بها، ولعل ما فاقم الوضع هو مجموعة القرارات والتشريعات الجديدة والضرائب المتتالية التي ضاعفت مُعاناة المواطن، وجعلت الأمر يبدو أكثر صعوبة على الشباب، حين رأوا أنَّ مستقبلهم وحيواتهم تضيع هباءً منثورا من بين أيديهم، والعمر يتقدَّم، والوضع على ما هو عليه دون جديد يُذكر، أو قديم يُعاد، وكما هي القاعدة في علم النفس فإن "الكبت يولّد الانفجار"، وهذا ما حصل، ولا نتمنى له أن يحدث مرة أخرى.

إنَّ الشباب هم مفتاح المُستقبل، وتحفيزهم هو ضمانة للدول، والاستثمار في العقول هو الاستثمار الحقيقي، وكما يقال فإنَّ "المال يجلب المال"، وتشغيل الشباب بإيجاد فرص عمل لهم، معناه رفاه الوطن، ومن خلال دورة العمل المرنة يزدهر السوق، وينتعش الاقتصاد، ويكبر الوطن بأبنائه، فالقرارات السلبية لن تخدم أحدًا، بل ستزيد من معاناة الدولة والمواطن على حد سواء، لذا أطلقوا- أيها المسؤولون- العنان لأفكارٍ وحلولٍ من خارج الصندوق، ولا تغلقوا المنافذ على الشباب، ثقوا بطاقات أبنائكم، ولا تهدروها، فهم صمام الأمن والأمان، وهم مستقبل هذا البلد وشمسه المشرقة، فبدونهم لا مستقبل لأي وطن، وبدون الاستثمار في جهودهم وطاقاتهم لن نتقدم خطوة واحدة، اعطوهم مفاتيح المستقبل، وسترون عندها ما يمكن أن يفعله أبناء هذا الوطن العظيم، وما يملكونه من طاقات لا حدود لها.