الحقوق.. بين المُطالبة بها ‎وتحقيقها

 

د. حميد بن مهنا المعمري

 

لا اختلاف على أنَّ كل ذرة من تراب الوطن مُقدّسة، وأنَّ أيِّ إساءة أو إيذاء يصدر في حق الوطن بيد أبنائه سواء في منجزاته، أو رموزه ومرجعياته، فهي جريمة لا تُغتفر، وخط أحمر لا ينبغي تجاوزه؛ لأنَّ أبناء الوطن معاول بناء لا معاول هدم، فمهما أدلهمت الظروف، وتكالبت الخطوب، وانهمرت المصائب، واكفهرت الحياة، واغرورق القارب، وَظَنُّوا أَن لَّا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ.. إلا أنّ البِرَّ بالوطن فرض واجب، والمساس بشيء منه عقوقٌ يشبه عقوق الوالدين.

إنّ صاحب الحق وطالب الحق والداعي للحق لا يتجاوز الحق مهما صار وإلا  فالحق بنفسه سيحاكمه وسيلاحقه وسيطالبه بالحقوق التي اعتدى عليها أو أهدرها؛ فبعد أن كان صاحب حقٍ، أصبح الحق خصمه، فسقط حقه، وضاعت مُطالباته وسط روعنته وإفساده.

ولا يختلف اثنان على أنَّ المُطالب بالحق، لا يُمكن أن يُثخن في الأرض، أو يفسد فيها أو يلحق الضرر بالآخرين، حيث إنَّ "كل المسلم على المسلم حرام: دمه وماله وعرضه» رواه مسلم.

ومن جانبٍ آخر، فإنَّ المُطالبة بالحقوق المعقولة، والحقوق المشروعة، -ولا أظن أحدًا يُطالب بغيرهما- لا يُمكن لأيِّ أحد كان من كان، أن يقف في طريقها، وأن ينزعج من طرحها، بأي وسيلة كانت مقبولة، وعلى المعنيين الاستماع لهذه المطالب بإنصات، وعلى الحكومة الرشيدة القيام بواجبها تجاه تلك المطالب، بمُعالجتها، والقيام بتحقيقها، ليشعر المواطن بأنَّ يدًا حانية تقف معه في أزماته، وتواسيه في محنه، وتساعده في التغلب على تحدياته الكثيرة؛لأنَّ المواطن هو الذخيرة الحيَّة للوطن، وهو المورد العذب الذي لا ينضب.

أما أن يُستفز المواطن في لقمة عيشه، وفي مسكنه وولده، من المسؤولين الذين كان من الواجب عليهم الوقوف بجانبه وتلمس حاجياته، فهذا غير معقول؛ وعلى مُؤسسات الدولة أن تُحقق مطالب المواطنين بكل شفافية ووضوح، خاصة فيما يتعلق بملف الباحثين عن عمل. أما الوعود، والتصريحات المخصصة للاستهلاك الإعلامي، والإشاعات المغرضة، ومزاحمة المواطن في لقمة عيشه، ومنع الناس من المطالبة بالحقوق؛ فهذا أمر لا ينبغي أن يحدث.

لكن السؤال المهم والذي يبحث عن جوابٍ قاطعٍ للشكِ: ما الذي حدا ببعض الشباب في بعض التجمعات السلمية إلى الانتقال بها من السلمية إلى الشغب والفوضى والتخريب؟!! وقد عُرِف عن أبناء عُمان منذ الأزل الأخلاق والآداب الحسنة، حتى قال الرسول صلى الله عليه وسلم فيهم: "لَوْ أَنَّ أَهْلَ عُمَانَ أَتَيْتَ مَا سَبُّوكَ وَلَا ضَرَبُوكَ" رواه مسلم.

فهذا حالهم مع غيرهم الغريب، فكيف مع بني جلدتهم إخوتهم وأهلهم وأصحابهم، سواء كانوا رجال أمن أو غيرهم من الموظفين في الدولة؟ لا شك أنهم سيكونون أكثر أدبًا وأشد لينًا وأكرم خلقًا وأحزم رأيًا.

لكن من وجهة نظري؛ فإنَّ "المندسين" وسط هذه التجمهرات السلمية الكبيرة، لهم أثرهم البالغ لإرباك الصفوف، والانتقال بالاعتصامات السلمية إلى الاعتصامات التي تكتنفها الفوضى والشغب، وتعطيل مصالح المواطنين، والاعتداء على الممتلكات الخاصة والعامة، والتخريب بأشكاله وأنواعه. وثمّة سبب آخر لا يقل خطورة وأثرًا عن السبب الأول؛ وهو الأسلوب والطريقة في التعامل مع التظاهرات والاعتصامات السلمية الذي له أثرٌ بالغٌ في احتواء الشباب، وقد رأينا اعتصامات سلمية مُشابهة، لم يتصادم الشباب فيها برجال أمن ولا غيرهم؛ لأن الطرف الأقوى في المعادلة كان حكيمًا متزنًا مراعيًا ومقدرًا لمطالب الشباب؛ فساد الاحترام المتبادل.

فيا رب احفظ هذا الوطن آمناً مطمئناً سخاءً رخاءً، تحت القيادة الرشيدة لجلالة السلطان هيثم بن طارق- أيده الله ونصره-.