هل العشب أخضر اللون؟!

 

أ.د. حيدر أحمد اللواتي

كلية العلوم، جامعة السلطان قابوس

 

"ليس من الضرورة أن نصل إلى إجابة لكل الأسئلة التي تُحيرنا، بل كل ما علينا أن نقوم به هو أن نسعى للحصول على إجابة، عندما نُدرك هذه الحقيقة ستسكن نفوسنا ونستمتع برحلة التقصي والبحث"

 

كثيرًا ما نجزم بأنَّ ما نراه بأعيننا له واقع خارجي، فالسماء زرقاء اللون، والجبال بنية اللون، والعشب أخضر اللون ترتاح له النفس وتبتهج برؤيته. ولكن هل العشب الذي نراه أخضر هو في حقيقته أخضر اللون؟ أم أننا نحن من نراه أخضر، أما هو في حقيقته له لون آخر أو ربما لا لون له.

بعض البشر يُصابون بداء معين يُعرف بعمى الألوان، فلا يستطيعون التمييز بين اللون الأحمر واللون الأخضر، عند هؤلاء لا فرق بين التفاحة الحمراء والخضراء، لكن الأمر الذي يدعو للدهشة بحق هو أنَّ الطبيعة من حولنا مليئة بكائنات ترى الواقع بألوان مختلفة تمامًا عمَّا نراه نحن البشر.

الخيول مثلاً ترى العالم من حولها بألوان تتراوح بين الأخضر والأصفر والأزرق، ولا تُشاهد اللون الأحمر أو الوردي فهو خارج قائمة الألوان التي تستطيع أن تميزها، فهي لا تُفرق بين العشب الأخضر والورد الأحمر، وأما الكلاب فترى العالم المحيط بها بألوان ثلاث وهي البني والأزرق والأصفر.

الثعابين لها عالمها الخاص، فبعضها يرى العالم من خلال التقاط الأشعة تحت الحمراء من الأجسام الدافئة الموجودة في محيطها، فهي ترى العالم من حولها بألوان فاتحة وداكنة فكلما ازدادت حرارة المُحيط تراه بلون داكن، فهي لا تعرف شيئًا عن زرقة الماء، ولا تبتهج باخضرار العشب ولا تمتع ناظريها بألوان الورد المُختلفة.

أما الخفافيش فآلية الإبصار عندها مُختلفة تمامًا، فهي ترى بأذنها-إن صح التعبير- فأذن الخفَّاش تتمتع بحساسية بالغة، إذ تخرج الأمواج فوق الصوتية من الخفاش وتنتشر في محيطه، وعندما تصطدم هذه الأمواج بجسم ما فإنِّها ترتد وترجع إلى أذن الخفاش، ثم تمررها أذنه إلى دماغه، الذي يقوم بإجراء مُعالجة للمعلومات الواردة، فيحسب الزمن الذي استغرقته تلك الأمواج فوق الصوتية منذ انطلاقها وحتى عودتها، وبذلك يستطيع أن يحسب المسافة التي تفصله عن الجسم الذي ارتدت عنه تلك الأمواج، ويستطيع أن يحسب موقع الجسم وحجمه وشكله، ولذا فيُمكننا القول بأنَّ الخفاش يرسم صورة صوتية عن الجسم في دماغه لا تختلف كثيرًا عن الصورة البصرية التي نرسمها نحن في أدمغتنا، لكنه لا يحتاج إلى ضوء ليبصر طريقه فهو يرى في عتمة الليل كما نرى نحن في رابعة النهار.

تصور أنَّك في حديقة الحيوان ومعك صديقك يلبس قميصًا أحمر اللون، فإذا مررت بجوار كلب فإنَّ القميص الأحمر الذي يلبسه صاحبك سيراه الكلب بلون مُغاير تمامًا، أما إذا مررت بجوار حصان فإن الحصان سيرى القميص بلون ما بين الأصفر والبني، أما إذا مررت بقرب ثعبان من الثعابين واقترب صاحبك منه فإنَّ الثعبان سيراه بين البياض وبين اللون الداكن إذ إن لونه سيعتمد على درجة حرارة القميص.

قد يقول قائل: بأن ما نراه نحن البشر هو الواقع؛ لأننا نمتلك قدرات بصرية أكبر من تلك التي تملكها الخيول والكلاب والثعابين والخفافيش.

لكن بعض الكائنات الحية الأخرى تتفوق في قدراتها البصرية على الإنسان، فهي تمتلك عيونًا باصرًة تُمكنها من رؤية مجموعة واسعة من الألوان لا نستطيع أن نتخيلها، إذ إنَّ لديها القدرة أيضًا أن ترى الأشعة فوق البنفسجية، فمثلاً بعض الطيور وبعض العناكب تمتلك هذه القدرات، ولا يمكن لنا نحن البشر تصور كيف تتم رؤية الأشعة فوق البنفسجية فذلك خارج قدراتنا ولا نستطيع أن نتخيله.

كما أن هناك من الكائنات الحيَّة من لديه القدرة على الإبصار ليلًا، فالقطط والسحالي لها قدرات فائقة للرؤية في الظلام، وتتفوق الضفادع على القطط والسحالي في الرؤية الليلية فهي تستطيع تمييز الألوان حتى في ظلمة الليل.

إنَّ هذا الاختلاف في حاسة الإبصار يطرح أسئلة عميقة حول حقيقة الواقع الخارجي، فهل ما نراه نحن البشر هو الواقع أم ما يراه الثعبان أم الخفاش؟  أم أن الواقع في الحقيقة هو ما تراه بعض الطيور وبعض العناكب التي ترى ما لا نستطيع أن نراه؟ أم أنَّ الواقع مُغاير لكل ذلك، فهو كالماء ليس له لون أو رائحة أو طعم.