بين إعلام "منضبط" وآخر "منفلت"

مسعود الحمداني

Samawat2004@live.com

 

لم يعُد الإعلام التقليدي مُغريًا للكاتب والإعلامي بشكل عام، لم تعُد لديه إمكانية التأثير السابقة حين كان وحيدًا، دون منافس، والغريب أنَّ التطور الشكلي الذي قام به الإعلام الرسمي أو التقليدي للانتشار والوصول إلى شرائح الشباب جاء عن طريق الإعلام المنافس أو وسائل التواصل الاجتماعي الأسرع انتشارًا، والأكثر تأثيرًا، فهو يعترف بشكل غير مُباشر بغلبة هذه التقنيات الحديثة، وسيطرتها على المشهد.

إذن ما الذي يجعل الإعلامي يُواصل الظهور والكتابة في وسيلة نشر غير قادرة على إنقاذ نفسها دون مساعدة من وسائل إعلامية غير تقليدية؟ فهذه الصحافة الورقية أو التقليدية لا تُحقق للكاتب الانتشار الذي يريده، ولا تعطيه المُقابل المعنوي أو المادي الذي يسعى إليه، فانتشارها محدود للغاية، والقيود الرقابية المفروضة عليها لا يُمكن حصرها، وحركة المناورة للكاتب ضيقة للغاية، ولا تجعل من الصحف الورقية أو القنوات الإذاعية والتلفزيونية الرسمية المكان الأمثل لأداء الرسالة التي يُريد الإعلامي والكاتب إيصالها، ورغم ذلك تظل لوسائل النشر التقليدية هيبتها، واتِّساقها ولكن إلى حين؛ حيث تحولت كثير من الصحف الكبرى العالمية إلى الإصدار الرقمي، لأنها علمت أنها لا تستطيع الصمود في وجه العاصفة القادمة عبر الإنترنت.

في "تويتر" أو "فيسبوك" مثلاً لا رئيس تحرير يتحكم في المادة المنشورة، ولا رقيب تقليدي يحذف أو يضيف ما يريد تماشياً مع "سياسة النشر"، أنت رئيس تحرير نفسك، وأنت الرقيب على ما تكتب، وأنت تتحمل مسؤولية ما تنشره، وبالتالي فإنَّ السيطرة الحكومية على وسائل الإعلام التقليدية بشكل مفرط غير مجدية، وأوامر الرقيب المستمرة لم تعد هي الأسلوب الأمثل للوصول إلى الهدف، فنحن في عالم لا يمكن التحكم فيه، وحين تشتد الريح علينا أن نغير مسار السفينة بذكاء وحرفية ومهارة، لا أن نكابر ونستمر في السير حتى تغرق بمن فيها.

إنّ منح الكاتب في الصحف الورقية والرسمية حرية أكبر وأريحية في الكتابة دون تدّخل سافر فيما يكتب أو يفكر أو ينشر يجعل منه مسؤولًا حسّاسًا لما يطرح، ويجعله في دائرة "السيطرة" لما يمكن أن يتناوله، أما محاولة التضييق عليه، والتقييد من كتاباته فتجعله يتحول إلى وسائل التواصل غير التقليدية، وبالتالي يصعب التحكم في ما يكتب أو يتناول، ولا أعتقد أنَّ ذلك في صالح الصحافة ووسائل الإعلام على المدى البعيد.

صحيح أنَّ الرقابة كمفهوم واعٍ شرٌ لا بُد منه، وصحيح أن هناك "تابوهات" لا يمكن الاقتراب منها، ولا المساس بها، وهذا منصوص عليه في النظام الأساسي للدولة، ولا أعتقد أن كاتبا أو إعلاميا "رسميًا" تجاوزه ذات يوم، لأنه يعرف حدود الكتابة، ويعلم الخطوط الحمراء التي لا يجوز له تخطيها، ولا أعتقد أن انتقاد قرار مُعين هو انتقاص من الجهود المبذولة، ولا مساس في شخص الوزير أو المسؤول، ولا شخصنة للأمر، فهو في كل أحواله موظف عمومي، غير أنّ المشاركة في بناء الوطن واجب على الجميع، والتنبيه لتجاوزات أو أخطاء معينة في وزارة أو مؤسسة حكومية أو خاصة أمر يجب أخذه بصدر رحب من قبل الحكومة والمسؤولين، إذا كان الهدف هو بناء دولة حديثة تقوم على تقبّل النقد، وتصحيح المسار، وترحب بالرقابة الجماعية على المكتسبات والمؤسسات، لأن المواطنين شركاء في الوطن والمواطنة، ولا يمكن إقصاء أحد من هذه المعادلة.

إنَّ البناء على إعلام رسمي وصحفي "منضبط" يبدأ من قانون جديد للمطبوعات والنشر واضح وغير قابل للتأويلات الشخصية، يواكب المستجدات المحلية والعالمية، ويكفل حرية الكتابة وفق ضوابط محددة متعارف عليها، وإلا فإن كثيرًا من الكتّاب والصحفيين قد يتوجهون إلى الإعلام "المُنفلت" في وسائل التواصل الاجتماعي الأكثر انفتاحا، والأقل رقابة؛ حيث تكون السيطرة على الكتابة أكثر صعوبة، وأعلى كلفة.