أمي وملائكة الرحمة وكورونا

 

سالم بن نجيم البادي

 

حين قدر الله وأصيبت أمي بكورونا أشعل ذلك نار القلق في داخلي وهي الضعيفة والمتقدمة في العمر ولم تكن إصابتها الباعث الوحيد للقلق والخوف والندم وإنما خشيت أن أكون أنا الذي جلبت لها الفيروس ومن الوهلة الأولى لظهور أعراض المرض عليها اتصلت بالمركز الصحي في بلدة الوقبة الواقعة في أقصى ولاية ينقل.

طلبوا مني إحضارها فورًا وقد حظي اتصالي باهتمام بالغ من الموظفين والأطباء، وما أن وصلنا إلى المركز حتى هرعت الممرضات والمضمدة لإنزالها في المكان المخصص لمن يعتقد أنهم مصابون بمرض كورونا، وتم تقديم الرعاية الصحية التي تقدمها المراكز الصحية عادة قبل التحويل إلى المستشفى المرجعي إذا استدعت حالة المريض ذلك.

ولا أود الكلام هنا عن ‏ما تمَّ تقديمه من رعاية صحية وقد يقال إن هذا واجبهم وعملهم وإنما أسجل إعجابي وشكري لذلك الاهتمام الفائق واللطف وحسن المعاملة من جميع العاملين في المركز الصحي، وقد تقرر تحويلها إلى مستشفى عبري المرجعي في سيارة الإسعاف ورافقتها الطبيبة والممرضة والمسافة بين المركز الصحي والمستشفى المرجعي تقارب 103 كيلومترات.

وفي قسم الطوارئ في مستشفى عبري وجدنا ذات الاهتمام الفوري وتم إجراء الفحوصات والأشعة وقد كانت الصدمة أن أمي مصابة بكورونا، وتم ترقيدها في القسم الخاص بمرضى كورونا؛ حيث تبذل جهود مضنية لتقديم العناية للمرضى ومحاولة إنقاذ ما يمكن إنقاذه.

وكان تواصلنا عبر الهاتف مع الأطباء وهي الوسيلة الوحيدة للاطمئنان على المرضى والاتصال في حد ذاته يشكل معضلة وعبئا إضافيا على الأطباء والممرضات، حين لاتصمت الهواتف أبدا، فأهالي المرضى يلحون في الاتصال والأطباء منشغلون مع المرضى، وقد يتعرض الأطباء للكلام الجارح والحاد إذا تأخروا في الرد على المكالمات ويتلقون أسئلة كثيرة عن حالة المريض وعن نسبة الأوكسجين وعن ضغط الدم والتنفس والالتهابات ومدى حدتها، وهل أكل المريض وعن نوعية العلاج؟ وهل يستطيع الحركة بنفسه؟ والأطباء يجيبون على كل هذه الأسئلة برحابة صدر.

ولقد طُلب مني أن أنقل اقتراحا مع علمي ربما بصعوبة تطبيقه وتفهمي للأسباب التي تمنع الزيارة، وهو أن يسمح بزيارة مرضى كورونا من قريب لهم من الدرجة الأولى ولو مرة واحدة خلال مدة الترقيد في المستشفى بعد أن يحضر الزائر وثيقة رسمية تثبت خلوه من المرض، وأن يرتدي ملابس خاصة يتم التخلص منها بعد الزيارة، وأن ينظر الزائر إلى المريض من مسافة مناسبة ومن وراء حجاب.

أشفق على أهالي مرضى كورونا، فبعضهم يرابط خارج أسوار المستشفى ومنهم من يتخذ من سيارته بيتًا، وبعضهم يقوم باستئجار سكن قريب من المستشفى وهم في حالة من الهلع والترقب.

تكلم معي رجل عن محاولاته الكثيرة لزيارة أمه وكل محاولاته باءت بالفشل، حتى جاءه الاتصال فجر ذات يوم أن أمه فارقت الحياة، وأن بإمكانه أن ينظر إليها نظرة الوداع الأخيرة، وكان مما يحز في نفسه أنه لن يستطيع دفنها في بلدها.

ومأساة البنات اللاتي لم يستطعن رؤية والدهن لمدة شهر حتى توفي وعدم التمكن من زيارته ضاعف من أحزانهن والقصص المشابهة كثيرة، ولا يمكن ذكرها إنها مصائب وتبعات مرض كورونا تصيب الناس وكل نواحي الحياة في المجتمع.

وبالعودة إلى ملائكة الرحمة، وهنا أقصد كل الأطباء والممرضات خط الدفاع الأول "الجيش الأبيض" أهل التضحية والصبر الجميل والتفاني والعمل الدؤوب الذين يقاومون الضغوط والاتهام الباطل بالتقصير مع الجهود الجبارة التي يبذلونها.

شابة تصرخ في وجه الطبيب وتنهال عليه باللوم والتهديد بالشكوى إلى من هو أعلى منه وهو لا ذنب له في تدهور حالة أمها وقس على ذلك حوادث كثيرة مشابهة، هؤلاء الذين يعالجون مرضى كورونا يستحقون الشكر والتقدير والاحترام، والدعاء بأن يحفظهم الله ويعوضهم خيرًا.

وكلمة لابُد من قولها في حق ووطننا الحبيب الذي وفر العلاج المجاني والخدمات الصحية الجيدة، ومن جرب المؤسسات الصحية الخاصة يدرك عظم هذه النعمة نعمة العلاج المجاني، حيث ذهبنا بأمي إلى موسسة صحية خاصة ورفضوا استقبالها لأن الأسرة لديهم ممتلئة وزحمة وفوضى، والكل مشغول والترقيد يكلف ما بين 200 و250 ريالاً في اليوم الواحد.

ذهبنا إلى موسسة أخرى وقيمة فحص الدم فقط 42 ريالا وعندما أردنا مقابلة الطبيب المختص لمعرفة نتيجة الفحص، قيل لنا إن الطبيب غادر وسوف يعود الساعة الرابعة والنصف عصرا، والوقت الثانية بعد الظهر، فخرجنا بخفي حنين وأدركنا أن الخيار الصحيح هو التوجه إلى المستشفيات الحكومية.

وقد عادت أمي إلى البيت ومعها الدواء وجهاز الأكسجين الذي يعمل بالكهرباء وأسطوانة الغاز العادية من أجل استخدامها في الطريق من المستشفى إلى البيت أذكر هذه التفاصيل لبيان مدى الاهتمام الذي لمسناه من مستشفى عبري المرجعي.

تحية محبة واعتراف بالجميل إلى مركز الوقبة الصحي وإلى مستشفى عبري وإلى كل العاملين في قسم كوفيد-19 في مستشفى عبري.