الربيع القادم وكومة القش!

 

الطليعة الشحرية (حالوت أليخاندرو)

في صالة الانتظار بالمطار تختلط الأجناس والأعراق ويجتمع بها الفرقاء بكل أطيافهم ومِللهم، لا تفصل بينهم إلا طاولة أو مقعدٌ فارغ أو حقيبة تنتظر صاحبها.

اجتمعنا على اختلافنا، جمعتنا العروبة، وفرقتنا الحدود، من الطريف أن نجلس بجوار بعضنا البعض، كل منِّا من بلد لنا نفس اللسان باختلاف اللهجة أو اللكنة. ومن المضحك المبكي أن نحتاج إلى تأشيرة دخول إلى بلد عربي آخر، ومن السخرية أن يقطع إنجليزياً الحدود بلا تأشيرة إلى بلدٍ يقاسمني وأقاسمه ذات اللغة، والأحزان، والأوجاع والأتراح والأفراح ذاتها.

جلسنا نحن ثلاثة عرب من ثلاث جهات مُختلفة يجمعنا نفس التاريخ والحضارة، وتذكرت مقطع يوتيوب، للقاء أحمد أبو الغيط الأمين العام لجامعة الدول العربية، يتحدث عن قرب حلول "سايكس بيكو" جديدة وكيف أنها ستعيد مجد أضاعته ثورات عربية حمقاء، فالبشرى لنا جميعاً بتقسيم جديد يجدد أمل الحكومات ويعيد العدل المسلوب والرقي المطلوب.. (أعترف) لا زلت أكتم ضحكة اختنقت داخلي، هل العالم أحمق أم نحن الحمقى؟!

إنَّ الاستماع ومشاهدة هذه الترهات يشعرك بمن يستمع إلى موسيقى نشاز لا تمت له بصلة ولا تقارب حتى ما يشعر به، فما الحاجة إلى عرضها على الشاشة في كل ساعة وحين. ولكن لِم اسمها "الجامعة العربية" حين يتعذر عليها توحيد التأشيرات أو إلغائها. "سايكس بيكو" القادمة لها سرٌ باتع وهي الحل الأكمل لمُواجهة ربيع آخر، ولها معجبون ومبشرون، ولها من يراقب بشغف قطعةً من الحلوى في بقالة العجائب.

حدثني أحدهم بسر، وقال: السياسية كلعبة الورق يلعبها المُغفل، والمُتهور، ويحترفها الأفاق الصعلوك. إنها لعبة تحتاج إلى محترفٍ، خفيف اليد فلا مكان للشرفاء فيها.

وأمطرت التكهنات بربيع قادم، وصفيحٍ ساخن، لا يهم من يجمع القش ومن يجهز النار، ومن يعطيك القداحّة، ولكن حقاً السؤال الأهم: من سيلعب ورقه بإحكام؟ وهل الربيع سيُواجه بكعكة التقسيم؟ وماذا سأكون أنا وأنت؟ أورقة بيد المغفل أم ورقة بيد المحترف؟ لعله لا هذا ولا ذاك فقد نكون كومة القش!!

وقفنا نحن العرب الثلاثة حيينا بعضنا بأدب جمّ، ووقف الإنجليزي بيننا وسقطت حقيبته وسارعنا ثلاثتنا لمساعدته، نظر إلينا باستحسان وشكرنا كثيراً على الاهتمام، وتأسف على ما لم يكن بالحسبان، وانصرف.

أُعلن موعد إقلاع الطائرة، فذهب كل منِّا إلى وجتهه يتفحص تذكرته وختم التأشيرة.