الإعلام العماني.. عوائق ومقترحات للتَّطوُّر

يوسف النوفلي

يمثل الإعلام ركيزة أساسية من الركائز التي تعتمد عليها الدول والمجتمعات في الحصول على الأخبار بشتى أنواعها، كما إنه طريق لتزويد الناس بالمعلومات والمعارف المختلفة حول الكثير من الأحداث التي تحدث على مستوى العالم، فهو ذو تأثير سياسي بالدرجة الأولى، واقتصادي وثقافي ورياضي واجتماعي، وخاصة مع ظهور وسائل الإعلام الجديدة التي وسعت من انتشار المعلومات بين الناس على عكس ما كانت عليه قبل ظهورها؛ حيث إنها كانت تقتصر فقط على الصحف والإذاعات والقنوات التلفزيونية.

وفي السلطنة، بدأت ملامح الإعلام تتضح مع بزوغ فجر النهضة المباركة في عام 1970؛ حيث أولاها السلطان الراحل قابوس بن سعيد- طيب الله ثراه- اهتمامًا بالغًا اتضح جليًا من خلال استخدامه للمذياع في إيصال خطابه الأول العماني الموجود داخل السلطنة وخارجها، تلاه بعد ذلك إنشاء وزارة الإعلام تحت مسمى وزارة الإعلام والشؤون الاجتماعية والعمل بعد خمسة أشهر فقط من توليه- طيب الله ثراه- مقاليد الحكم وبالتحديد في ديسمبر من عام 1970، ومنذ ذلك الحين وإلى الآن في عهد حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- والوزارة تسعى لإبراز صورة البلد محليًا وخارجيًا.

وعلى الرغم من الأدوار والمهام التي يقوم بها الإعلام العماني، إلا أنه لا زال يواجه العديد من التحديات والمعوقات التي عرقلت تقدمه وارتفاع سقف حريته وخاصة ما نص عليه الملحق رقم 1 المرفق من المرسوم السلطاني رقم 95 /2020 باشتراط أن تكون مقترحات السياسة الإعلامية تتفق مع سياسات الدولة. وعلى الرغم من توافر الإمكانيات البشرية المؤهلة والمدربة للقيام بالمهام الإعلامية بالشكل المطلوب، إلا أن كثرة التحديات التي تواجههم تحول دون إيصال الرسالة الإعلامية بالطريقة الصحيحة.

فلو تطرقنا للمعوقات الخاصة بالقوانين، سنجد أن القانون يفرض على من أراد إنشاء قناة تلفزيونية خاصة لا بُد من دفع مبلغ قرابة 700 ألف ريال عماني لوزارة الإعلام كرسوم لإصدار ترخيص للحصول على بث للقناة؛ الأمر الذي يشكل عجزًا وتحديًا كبيرين على من أراد إنشاء قناة تلفزيونية، خاصة وأن المبلغ ليس بالقليل، وهذا ما لا يواكب تطورات الإعلام؛ حيث إن هذه القوانين والقرارات الوزارية صدرت منذ سنوات كان الوضع الإعلامي آنذاك ليس كما نحن عليه في وقتنا الحاضر، علاوة على ذلك فإن سوق القنوات التلفزيونية تأثر بشكل كبير بتوجه الجمهور لاستخدام وسائل الإعلام الجديدة وما ترتب على ذلك من تأخر في فرض القنوات التلفزيونية سوقها على الجمهور كوسائل لتلقي الأخبار والمعلومات وكذلك التسلية والترفيه.

هناك معوقات أيضا تعيق ممارسة الصحافة عملها بالشكل المطلوب؛ ومنها عدم امتلاك الصحفيين الحرية الكافية لممارسة الصحافة الاستقصائية، ومساءلة المسؤولين وأصحاب المناصب العالية، وعدم توفير الحماية الخاصة لهم لأداء عملهم الاستقصائي للتحقيق في قضايا الفساد في البلد.

معوقات أخرى تتعلق بالميزانية المخصصة لوزارة الإعلام؛ حيث كانت ميزانية الوزارة قبل الدمج حوالي 9.8 مليون ريال عماني، ومؤسسة عمان للصحافة والنشر والإعلان حوالي 2.8 مليون ريال عماني، والهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون حوالي 40.8 مليون ريال عماني، بما مجموعه 53.4 مليون ريال عماني، لكن ما حدث بعد دمج مؤسسة عمان للصحافة والنشر والإعلان والهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون مع وزارة الإعلام أن الميزانية انخفضت بأكثر من 10 ملايين ريال عماني؛ حيث أصبحت حوالي 41 مليون ريال عماني، وهذا الدمج ترتبت عليه أمور إيجابية عديدة كتقليص الوظائف الإدارية وإتاحة المجال للقطاع الخاص، الذي بدوره سيترتب عليه دفع رسوم لإصدار أو تجديد التراخيص لوزارة الإعلام. لكن في المقابل سيشكل انخفاض الميزانية للرقم المذكور أعلاه انخفاضًا في الدعم الحكومي لوسائل الإعلام الحكومية سواء الصحفية أو الإذاعية أو التلفزيونية، مما سينعكس سلبًا على أداء عملها. الأمر الآخر أن هذا الانخفاض في الميزانية سيحد أو سيقلل من إمكانية تطوير المادة الإعلامية التي تقدمها الصحيفة والإذاعات والقنوات التلفزيونية التي تحتاج لأموال أكثر للتطور أكثر.

وفيما يتعلق بالتحديات التي تخص التدريب والتكوين الأكاديمي للإعلاميين، فإن أبرز التحديات هي عدم تفعيل مركز التدريب الإعلامي، لتدريب الكوادر الإعلامية في السلطنة لمواكبة مستجدات العمل الإعلامي، على غرار معهد الجزيرة للإعلام بقطر، والذي يهدف للنهوض بالإعلام ليس على مستوى قطر فقط، وإنما على المستويين العربي والعالمي؛ حيث إن الكوادر العمانية بحاجة لصقل المواهب الإعلامية التي يمتلكونها حتى يساهموا في النهوض بالعمل الإعلامي والمادة الإعلامية المقدمة للجمهور، كما إن تفعيل هذا المركز قد يدفع بالمتدربين إلى النزول للميدان لممارسة العمل الإعلامي، بعد كثرة الجوانب النظرية التي يتلقونها من الجامعات والكليات التي تدرس تخصصات الإعلام المختلفة.

هناك العديد من الحلول التي يمكن أن تساهم في القضاء على التحديات التي ذكرتها أو ربما التقليل منها وذلك أضعف الإيمان، ففيما يتعلق بالقوانين أرى بأن تقليل قيمة رسوم التصاريح المطلوبة لإنشاء القنوات التلفزيونية الخاصة، كما إن الصحافة الاستقصائية لابُد أن تحظى باهتمام واسع وتوفير حماية خاصة لصحفيي التحقيقات الاستقصائية، إضافة إلى منحهم سقفًا عاليًا من الحرية.

وفيما يتعلق بالميزانية، فالأنسب هو رفع الميزانية الممنوحة لوزارة الإعلام، وخاصة بعد دمج مؤسسة عمان للصحافة والنشر والإعلان والهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون مع وزارة الإعلام، حتى يتوافر الدعم المادي الكافي لإنتاج مواد صحفية وإذاعية وتلفزيونية ذات جودة عالية تنافس دول الخليج في جودتها وكفاءتها، وعمق الرسالة الإعلامية التي تحملها هذه المواد، وخاصة المواد الإعلامية التلفزيونية التي كلما زاد دعمها المادي، كلما سنح لمنتجيها وصناعها الخروج بمواد قادرة على جذب الجمهور المشاهد لها.

أما التدريب والتكوين الإعلامي، فأقترحُ أن يتم توجيه الاهتمام إلى فكرة التربية الإعلامية واستحداث مادة دراسية لتدريس الإعلام في المدارس لتعريف الأجيال الناشئة بالإعلام والطرق الأمثل لاستخدامه، وأرى أن هذا الأمر سيساعد بشكل كبير على توجه الطلاب للاهتمام بدراسة الإعلام والخوض في تفاصيله بشكل أكبر. علاوة على ذلك، لا بُد من إعادة النظر في تفعيل مركز التدريب الإعلامي لتوفير أكبر قدر من الكوادر الإعلامية القادرة على النهوض بالإعلام العماني في كافة تفرعاته المختلفة.

تعليق عبر الفيس بوك