مشعل نور في الحمراء (1- 2)

 

طالب المقبالي

muqbali@gmail.com

 

اهتم الأوائل من العرب عامة ومن العُمانيين خاصة بالكتاب، وأولوه جلَّ اهتمامهم، فقلما نجد بيتاً يخلو من مكتبة.

فقد كان الاهتمام بالكتاب يفوق أي اهتمام في حياة العُمانيين، وكانت تلك المكتبات مشاعل تنير ظلمات الجهل، حيث كانت مدارس تخرج فيها العلماء، وكان اقتناء الكتب سواءً بالشراء أو الاستعارة يُعتبر حدثاً مُهماً، خبراً يتناقله الناس فيما بينهم.

فإذا آل لأحدهم كتاب غريب تنتشر أخباره، فيقدم الناس على الاطلاع عليه وكأنه جوهرة ثمينة.

ولعلنا في عصرنا الحالي لا نُدرك تلك الأهمية للكتاب كما كان عليه الأوائل،  فقد شغلتنا التقنية، وصرفتنا عن نهل العلوم، فأصبح الفرد منِّا قد حدد مساراً لثقافته ونهل العلم، من خلال الالتحاق بالمدرسة، ثم الجامعة، وقلة قليلة من يُواصل دراساته العُليا، وغالباً ما يتوقف الطموح عند نيل الدكتوراه التي ستحقق للفرد منِّا وظيفة مرموقة، وقلة قليلة، بل ربما نادرة من يكرسون أنفسهم للأبحاث العلمية بعد نيل الدكتوراه.

أما القدماء فيستمرون في نهل العلم والمعرفة حتى آخر يوم من حياتهم، وقد عايشت ذلك بنفسي مع المغفور له بإذن الله والدي رحمه الله الذي أسس مكتبة خاصة، ويعتبر الكتاب أفضل رفيق له في حياته.

فبمثل ما نحن عليه اليوم في ترحالنا يرافقنا في أسفارنا الهاتف المحمول والكمبيوتر، فإنَّ الكتاب هو رفيقهم في تلك الحقبة من الزمن.

في مقالي هذا، سوف أسلط الضوء على واحدة من المكتبات التي تواصل المسير، وتمخر عباب البحار الهائجة، التي تتقاذفها أمواج العصرنة والحداثة، فما زالت تقف صامدة أمام الأمواج العاتية، إنها مكتبة الشيخ محسن بن زهران العبري الأهلية العامة، ذلك المشعل المضيء في ولاية الحمراء من محافظة الداخلية، وتحديداً في حي المنيزف، وهو موقع متميز من حيث إنه يقع في وسط الولاية وبها متسع لوقوف سيارات زوار المكتبة.

وفي حديث شيق جرى بيني وبين أحد القائمين على إدارة المكتبة وهو الشيخ حمد بن محسن بن زهران العبري، الذي أعطاني وصفاً دقيقاً عن هذه المكتبة، وما تقدمه من فعاليات لأفراد المجتمع.

فمبنى المكتبة مميز وفيه نفحة من الماضي الجميل، وهو على شكل حصن به برجان بناه الشيخ زهران بن محمد بن إبراهيم عام 1295هـ /1878م، إلا أن الحصن قد أثرت عليه عوامل التعرية وتهدَّم، وفي عام 1972م أعاد الشيخ محسن بن زهران العبري بناءه ولكن بدون البرجين واتخذه سكناً له، وبعد وفاته رحمه الله، تم إعادة صيانته وترميمه وهو مكون من طابقين على النمط التراثي ويتكون من المكتبة والمتحف وحوله المسرح والسبلة العمانية بمساحة تقدر بألفي متر مربع، وقد تمَّ إطلاق اسم بيت الحمراء التراثي عليه.

لقد تعرفتُ على المكتبة منذ عام 2018 من خلال نشر بعض الفعاليات التي تقوم بها المكتبة عبر صحيفة النبأ الإلكترونية، وتواصل إدارة المكتبة في نشر العديد من الفعاليات، وقبل بداية هذا الشهر الفضيل نشرت الصحيفة خبراً مفاده أن المكتبة ستقوم بتنفيذ عدد من الأنشطة الثقافية والدينية خلال أيام شهر رمضان المبارك لهذا العام 1442هـ، وذلك ضمن برنامج "أعلام كأننا نراهم" والذي يشمل أربع شخصيات يتحدث فيها ويديرها عدد من المختصين.

ومن هذه الشخصيات الشيخ العلامة أبو الحواري، والإمام الشيخ أبو سعيد الكدمي، والشيخين يوسف بن طالب وولده الشيخ محمد بن يوسف العبريين والتقية الزاهدة عائشة بنت محمد بن يوسف العبرية.

وقد تضمن الفعاليات برنامج "سراج" الذي اشتمل على عدد من المحاضرات، منها ما خصص للنساء، ومنها عامة، وقد تحدثت المحاضرات عن الصيام والقرآن الكريم والإعجاز العلمي للماء الساخن في القرآن الكريم، وإدارة الذات بعنوان "ثمَّة ضوء"، كما شمل البرنامج محاضرة لإدارة التغيير في رمضان، وأخرى عن الفوائد الصحية والعلاجية، وأيضاً العلاج بالماء الساخن. كما تشمل الفعالية إجراء لقاء مع أحد التجار بولاية الحمراء.

وقد قامت إدارة المكتبة بنشر روابط تسجيلات لجميع الأنشطة أولاً بأول، وذلك عبر قنوات التواصل الاجتماعي. وهناك فعاليات مستمرة طوال العام يُعلن عنها في وقتها للاستفادة منها لتعم الفائدة الجميع.

وللحديث بقية عن قصة هذا المنبر المضيء في سماوات تحيط بها التقنية من كل مكان، إلا أنَّ هذه المكتبة قد شقت طريقها، وقد أدت رسالتها وما زالت تؤديها، وإدارة المكتبة عاكفة على تطويرها، وتطوير برامجها بما يتماشى مع مُتطلبات العصر.

وللمقال بقية بإذن الله في جزئه الثاني لسرد قصة هذه المكتبة وإعطائها ما تستحقه من وصف، فهناك تفاصيل أخرى لم أتطرق إليها تتعلق بنشأة وتطور المكتبة، والتنظيم الإداري لبيت الحمراء التراثي والمتمثل في المكتبة والمعرض التراثي، ومحتويات بيت الحمراء التراثي، والتسويق الإلكتروني للمكتبة وخدماتها.