الخطر المحدق بالأسرة والمجتمع

 

جابر حسين العماني

jaber.alomani14@gmail.com

 

هل حياتنا الاجتماعية والأسرية في خطر؟ وهل الأسرة العربية تسير في الاتجاه الصحيح الذي أراده الله لها؟

من المؤكد أننا لا نحتاج إلى وضع الحياة الاجتماعية تحت المجهر لنتعرف عليها عن قرب، فهي أصبحت واضحة وجلية للجميع، وأصبح أكثر أفرادها بعيدين عن التعاليم الإسلامية، والأعراف الاجتماعية، والقيم الأخلاقية وأصبحت وأمست في عزلة اجتماعية، مزدحمة بلا معنى، منشغلة بلا فائدة، إسراف وتبذير في كل مكان، تقليد أعمى للثقافات الغربية الدخيلة على المجتمع، القراءة أصبحت مهجورة، والعبادة أمست متروكة، الآباء والأمهات لا يجلسون مع أبنائهم، والأبناء لا يحبون مجالسة آبائهم، وتقصير في حق الأقارب والأرحام، وانفتاح على الغرباء بلا رقيب وحسيب، وانتشار للإباحيات والفجور والفسق والعصيان، وتبرج في كل مكان، وفتنة وابتذال، وقلة حياء وعفة، وملابس ضيقة وقصيرة وفاتنة، وحقائب وساعات وأحذية، بماركات حديثة، وانفتاح على الموضة بشكل عجيب وغريب، كل ذلك وأكثر نشاهده اليوم عبر الإنترنت من خلال الأجهزة الذكية التي جعلت العالم بما فيه من ثقافات متعددة، صالحة وطالحة بين أيدينا بكل سهولة ويسر، من خلال ضغطة زر واحدة.

اليوم عندما يسمح الآباء باستخدام أجهزة الهاتف لأطفالهم بلا رقابة ومحاسبة وتوجيه، فهم يسمحون بدخول المصائب والفوادح إلى الأسرة وأفرادها، فالأبناء عندما يمتلكون الأجهزة الذكية ويبحرون في جميع برامج التواصل الاجتماعي بلا رقيب أو حسيب، هنا على الآباء والأمهات أن يدركوا جيدا ضياع الأسرة وأبنائها شيئاً فشيئاً، لما سيشاهدونه من ثقافات دخيلة وغريبة وخطيرة على شخصياتهم ومجتمعهم وثقافتهم العربية والإسلامية.

إن أغلب المجتمعات العربية والإسلامية اليوم بحاجة ماسة إلى التركيز على تعليم الأسرة وأفرادها القيم والمبادئ الدينية والأخلاقية التي حافظ عليها الآباء والأجداد، والتي سرقتها منا اليوم ما تسمى بالعولمة والتحضر والتمدن فانقرضت تلك القيم والمبادئ الانسانية عند الكثيرين، وصارت في عداد خانة النسيان.

إلى بعض الآباء والأمهات أقول: ماذا سيتذكر أولادنا منا في زماننا هذا، غير إننا قضينا أوقاتا طويلة باللهو واللعب والسهر على الأجهزة الذكية بلا فائدة تذكر، ولم نستخدمها ونستثمرها بالشكل المطلوب واللائق، بل حولناها إلى نقمة ونكالاً وجحيما على الأسرة وأفرادها، فتحولت حياتنا إلى حياة مأساوية لا تعرف إلا الفوضى والضياع فيا ترى إلى أين نسير؟

مزعج جداً عندما نرى اليوم أقصى طموح بعض شبابنا هو امتلاك جهاز تليفون فاخر، أو ساعة يد راقية، أو متابعين كثر عبر برامج التواصل الاجتماعي، أو انتظار اللايكات (الإعجابات) من هنا وهناك، من خلال نشر ما ليس له علاقة بقيمنا وعاداتنا الاجتماعية، وأغلب شبابنا لا يعرفون من يتابعهم ويتابعونه، إلا القلة القليلة.. فإلى أين نسير؟

مزعج جداً ونحن نرى اليوم أغلب جيلنا الحديث ترك من هم أحق بالصداقة والصحبة والمحبة والمودة، كالوالدين والإخوة والأقارب والجيران، وأصبح الصديق المقرب لهم هي تلك الأجهزة التي بين أيديهم، والتي أنستهم إنسانيتهم وقيمهم ومبادئهم، لذا علينا جميعاً أن نستيقظ من سباتنا العظيم الذي أفقدنا تعزيز الحب والمودة والترابط في داخل الأسرة والمجتمع، ونصحى لنسير إلى مستقبل أفضل وأجمل.

أرجو أن لا يفهم من كلامي أعلاه إلغاء العلاقة بالأجهزة الذكية، وعدم استخدامها في الأسرة، بل بالعكس تماماً، فالأجهزة الذكية أصبحت اليوم الشغل الشاغل للناس بلا منازع، بل وأصبحت من أهم ضروريات الحياة، ولكن الأهم من كل ذلك هو تنظيم أوقات استخدامها، بهدف الرجوع إلى الحياة الأسرية والاجتماعية واستثمار الحياة بالجلوس مع أفراد الأسرة، وإرشادهم إلى الصواب، واللعب معهم، ومنحهم الثقة بأنفسهم، وتحسيسهم بقيمتهم الكبيرة وشخصيتهم الإنسانية المثيرة، وذلك من خلال التربية الصالحة التي تجعل منهم شخصيات فاعلة في خدمة المجتمع والوطن.

وهذا المعنى نفسه نراه مُتجسداً في حياة النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم عندما مارس بمرأى المُسلمين الجلوس والضحك والاهتمام بالأطفال، وذلك عندما رأوه يحبو بيديه ورجليه وحفيديه الحسن والحسين على ظهره، وهو يقول: "نِعمَ الجَملُ جَملكُما، ونِعمَ العِدلاَنِ أنتُما".

 وقال الإمام علي بن الحسين زين العابدين: "وَأَمَّا حَقُّ وَلَدِكَ فَأَنْ تَعْلَمَ أَنَّهُ مِنْكَ وَمُضَافٌ إِلَيْكَ فِي عَاجِلِ اَلدُّنْيَا بِخَيْرِهِ وَشَرِّهِ، وَأَنَّكَ مَسْؤولٌ عَمَّا وَلِيتَهُ بِهِ مِنْ حُسْنِ اَلْأَدَبِ، وَاَلدَّلاَلَةِ عَلَى رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَاَلْمَعُونَةِ لَهُ عَلَى طَاعَتِهِ، فَاعْمَلْ فِي أَمْرِهِ عَمَلَ مَنْ يَعْلَمُ أَنَّهُ مُثَابٌ عَلَى اَلْإِحْسَانِ إِلَيْهِ مُعَاقَبٌ عَلَى اَلْإِسَاءَةِ إِلَيْهِ" [مكارم الأخلاق للطبرسي، ص٢٣٢].

وخاطب الباري عزّ وجلّ عباده فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَّا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}.