"وادي الجهاور.. تاريخ وجغرافيا"

 

 

يوسف عوض العازمي

alzmi1969@

 

"كما يمكن الإشارة إلى أنَّ الباحث أثناء سرد بعض التوثيقات التي اشتملت عليها مختلف أجزاء الكتاب تحفظ في بعض التفصيلات؛ بهدف التركيز على الملامح العامة دون الولوج للخصوصيات، وما يتعلق بلفظ الانتساب الاجتماعي"محمد بن سالم بن علي الجهوري".

 

وصلني منذ فترة عن طريق صديق كويتي يعمل بالسلطنة، كتاب تاريخي مهم هو "وادي الجهاور جغرافيا وتاريخ.. نافذة على الحياة العُمانية القديمة"، للمؤلف محمد بن سالم بن علي الجهوري، الصادر عن دار لبان للنشر، ويتحدث عن إحدى المناطق العُمانية ذات التاريخ العريق والتأثير الإنساني، منطقة استحقت التأريخ بكتاب قيم يعتبر وثيقة لا غنى عنها لكل من يهتم بدراسة المناطق في أراضي عُمان المترامية الأطراف، وهي منطقة أو بلاد وادي الجهاور، وتقع ضمن ولاية السويق التابعة لمحافظة شمال الباطنة، وهي منطقة ذات طبيعة قروية من أهم قراها ضيان الجهاور، والحيلين، والمبرح، إضافة إلى عدة قرى متناثرة، تقع على بعد 150 كليومترا عن العاصمة مسقط.

الكتاب يقع في 599 صفحة، وذو طباعة جيدة من القطع الكبير والورق المصقول اللامع، يشتمل على إهداء ومقدمة وأربعة فصول وفصل منفرد للوثائق وعددها 104 وثائق بالألوان. ويعلق الكاتب على كل وثيقة لتبيانها وتوضيحها، والفصل الأخير كان للمراجع، وعدد المراجع 48 مرجعًا، ويبدو أنه تم دمج المراجع والمصادر، وذكر المؤلف في مقدمته أن الدراسة (الكتاب) وفق المنهج الوصفي التاريخي.

أقرأُ أحيانًا أنه كلما زادت هوامش الكتاب كلما زادت مصداقيته وغزارة معلوماته، تذكرت ذلك عندما وصلت الصفحة 16 من الكتاب؛ حيث أفرد المؤلف الهامش الذي أخذ نصف الصفحة تقريباً واستمر الهامش للصفحة المقابلة 17، وانتهى في الصفحة 18؛ حيث يتحدث بإسهاب عن نسب الجهاور، وأورد معلومات مفيدة جداً لكل مهتم بالمكونات الاجتماعية في عمان عامة وبنسب الجهاور خاصة. لكني كنت أتمنى أنه بدلا من اعتماد هذه المعلومات الجوهرية عن نسب هذه القبيلة كهامش، أن يضع لها بابًا مستقلًا في الكتاب، لأن مثل هذه المعلومات- برأيي المتواضع- مكانها ليس بالهامش، سيما وأن الكتاب أساسا للتحدث عن هذه المنطقة ومكونها الاجتماعي. وأتمنى في طبعة قادمة- بإذن الله- أن يعدل ويضع بابًا مستقلًا وهو اقتراح يحتمل الخطأ قبل الصواب.

لفت نظري في صفحة 128 في قول عن النخلة: جذعها وليفها رشاء، وكربها صلاء، وسعفها ضياء، وحملها غذاء، وفي صفحة 150 في باب: "تعاملات البيع والشراء"، نشر المؤلف وثائق قديمة لعدد من المعاملات الموثقة ولاحظت أنَّ هناك تعاملات للنساء في البيع والشراء، مما يدل على نشاط المرأة ومكانتها المعتبرة في الدولة العمانية.

الكتاب يحتوي على معلومات غزيرة ومفصلة ويصلح للباحثين في التاريخ والاجتماع وكذلك الجغرافيا، وفيه باب عن الأفلاج وملكياتها، وباب عن جانب اجتماعي وهو "سبلة الجماعة"، وهي تعني مجلس قبلي مقره قرية الحيلين؛ حيث يتم فيه فض النزاعات، وهي مركز رئيس للشيخ وجماعته. ويذكر المؤلف في هامش صفحة 398: كانت هناك عدد من الزيارات التي جاءت السبلة القديمة في الحيلين في فترة الاضطرابات التاريخية ولقاء الشيخ علي بن حمود بالسبلة قديمًا المسؤول الإنجليزي سابقاً مع بدايات حكم السلطان قابوس بن سعيد- طيب الله ثراه، ومما فهمت أنها تشبه المجالس العشائرية والقبلية في الجزيرة العربية؛ حيث تتعدد المسميات والمعنى متشابه وقريب.

وفي باب الوثائق، سأذكر نموذجاً منها وهي الوثيقة رقم 3 في صفحة 426، حيث ذكر ما يلي بالنص:

"بسم الله الرحمن الرحيم، أقر سليمان بن بخيت المقبالي أن البكرة صارت لبدر بن سليمان، ولا بقا لأحد فيها حق ولا دعوى، وخمس هايشات بعد موته لزوجة زاهر بن سعيد بن سليمان، إقرارا لهم بذلك، شهد بذلك سليمان بن علي، وسيف بن حمود: يوم 20 شهر ربيع الأول 1348 هجري كتبه بأمره حمود بن سيف بيده".

ويتحدث الكتاب عن شهرة الجهاور بملكية الإبل، وذكر أن المؤرخ البريطاني جون غوردون لوريمر في "دليل الخليج" تحدث عن ذلك، وكذلك ذكر الصناعات الخشبية وأسماء المصطلحات والأدوات قديما، ويتحدث عن مناسبات الزواج والأعياد، ووجبة العرسية الرئيسية في أول أيام العيد ويفصل في العرض السهل والشرح الواضح للمعلومات، وهو كتاب متعوب عليه، ولا غنى لأي باحث عنه، وأتذكر أنني منذ أن وصلني الكتاب سألتُ أكثر من شخصية عن الكتاب ومدى مصداقيته التاريخية، كوني لأول مرة أقرأ للمؤلف المميز محمد الجهوري، ولم أجد إجابة ساندة إلى أن قررت التأكد من خلال قراءة الكتاب والتحقق من مصادره، وبالفعل وجدتُ الأمر يستحق والكتاب له وجاهة. وأعتذر للقارئ الكريم عن الاختصار في الكتابة عن هذا الكتاب القيِّم، فمساحة المقال محدودة، وما سبق مجرد نبذة بسيطة، لا تُغطي الكتاب بالكامل الذي يستحق الاقتناء من كل مهتم.