السبع السِمان و"التفاهم الإبراهيمي الجديد"

خالد بن الصافي الحريبي

يا ترى كيف ستكون أحوال عالمنا بعد 2025؟ لا يعلم الغيب إلا الله عز وجل الذي فصلت آيات كتابه المُبين أحسن قصص سنة تغير أحوال العالم وصلتها بإيمان وعزم وسعي الإنسان. إذ يقول سبحانه وتعالى في تفسيرسيدنا يوسف عليه السلام لحُلُم ملك مصر "قالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَما حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلاَّ قَلِيلًا مِمَّا تَأْكُلُونَ (47) ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذلِكَ سَبْعٌ شِدادٌ يَأْكُلْنَ ما قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلاَّ قَلِيلًا مِمَّا تُحْصِنُونَ (48) ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذلِكَ عامٌ فِيهِ يُغاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ (49)".

ونتائج أكثر التقارير الاقتصادية العالمية الموثوقة، كتقرير شركة بي.بي. للطاقة تتوافق مع هذا التبدل الكوني للأحوال. فعلى سبيل المثال خلص تقرير شركة بي.بي. للطاقة إلى أن الاقتصاد العالمي سيبدأ بالتعافي من سنين عِجاف الأزمة الاقتصادية التي تلّم به منذ 2014 بسبب تهاوي أسعار النفط خلال هذه الأعوام 2021-2022. ولأن مصير مجتمعاتنا مرتبط بأحوال العالم الاجتماعية والاقتصادية والسياسية فإن هذا المقال يتناول السؤال: ما هي أهم 3 أحوال أو سيناريوهات قد تشهدها مجتمعاتنا خلال السبع سنوات السِمان المقبلة بإذن الله؟

2021- 2023 سيناريو التعافي من آثار الجائحة

بناء على نجاح العالم تدريجيا في تطعيم الناس ضد فيروس كوفيد-١٩ فإنه من المتوقع أن تتوضح آثار الجائحة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية على سلوكنا كبشر. فعلى سبيل المثال، من الآثار الاجتماعية للجائحة تقارب عائلي مع تباعد جسدي ونفسي مع المجتمع وقلة التنقل والسفر وزيادة التوفير. ومن آثارها الاقتصادية تقلص فئة متوسطي الدخل مع توسع فئتي عالي ومحدودي الدخل، وزيادة تحصيل الرسوم؛ وزيادة إغلاق المؤسسات الناشئة والصغيرة والمتوسطة، وقلة فرص العمل والأعمال، وزيادة التوجه نحو الطاقة المتجددة. أما آثارها السياسية فتتمثل في تغيُر مفهوم دولة المؤسسات مع تراجع دور المؤسسات التشريعية والرقابية لصالح دور المؤسسات التنفيذية، وقلة سُبُل التعبير الطبيعي عن الرأي وندرة تنوع الأفكار وقلة الإبداع والابتكار. ومن شأن هذا أن يعزز تدافع الأفراد والفئات للحفاظ على مكتسباتهم الاقتصادية بأي وسيلة كانت نتيجة للتدافع على موارد الرزق النادرة. ومن شأن هذه الآثار مجتمعة أن تنتج سيناريو يشبه خليج العشرينات من القرن الماضي؛ إذ إنه عاني من تداعيات جوائح كساد ما بعد الحرب العالمية الأولى وأزمة تهاوي أسعار اللؤلؤ والأمراض. وكما تكيفت مجتمعاتنا قبل قرن مع الأوضاع المستجدة من المتوقع أن تستقر على تتكيف خلال هذا السيناريو على مضض.

 

2023- 2025 سيناريو مستعمرات البيانات

 

كما نلاحظ اليوم فإن مجتمعاتنا ونظرتها نحو الانتاجية تغيرت مع تبنينا للعمل والتعلم عن بُعد. وذلك بناء على عدة عوامل أهمها التقاء تطورات الثورة الصناعية الرابعة وتقنياتها وصناعاتها المتقدمة مع آثار جائحة كوفيد-١٩.  وقد نتج عن التقاء التقنيات المتقدمة بالجائحة تدافاعاً عالمياً على الثروة البشرية المتجدد ألا وهي المواد الخام والبيانات. ونظراً لما حبا الله منطقتنا به من مميزات جغرافياً وديمغرافياً وتاريخياً فإننا لا نزال مقصد أهم مصادر الطاقة التقليدية، وأكثر مناطق العالم شبابا واستهلاكاً للبيانات، وحلقة وصل بين كابلات الاتصالات حول العالم. كما أن أشرس تنافس تكنولوجي حول العالم يدور حول صناعة "أشباه الموّصلات" وهي الأجهزة الدقيقة في حواسبها وهواتفنا التي يزداد الطلب عليها عالميا ويتركز إنتاجها المحدود في شرق آسيا فقط بصورة رئيسية، مما يرشح منطقتنا لتكون مستعمرات للبيانات. وقد تدخل بعض العناصر الطبيعية المتواجدة بكثرة في طبيعتنا، وبالذات في صحارينا، في أبحاث تطوير أشباه الموّصلات في المستقبل القريب. ولأن كُلّ ذي نعمةٍ محسود فما هو سيناريو الدول العُظمى الذي يضمن وصولها للمواد الخام التي تغذي نموّها المطرد ونهم شركاتها التكنولوجية العملاقة للبيانات؟

2025- 2027 سيناريو "التفاهم الإبراهيمي الجديد"

يلوح في الأفق اتفاق تقاسم نفوذ جديد في المنطقة برعاية القوى العظمى، تشبه اتفاقية سايكس-بيكو التي تقاسمت فيها قوى أوروبية القرن الماضي النفوذ في دول المنطقة كما تتقاسم السِباع فرائسها. وعلى الأغلب لن يوصف الاتفاق بأنه "استعمار" أو "انتداب" وإنما سيطلق عليه "تفاهم إبراهيمي جديد" نسبةً لأبي الأنبياء سيدنا إبراهيم عليه السلام الذي تنتسب إليه الديانات السماوية الثلاث، وخليل الله من مثل هذه الاتفاقات براء.

وتدل على هذا التطور مؤشرات سياسية في منطقتنا ومنها الصراعات وصفقات السلاح الإقليمية وتداعيات صفقة القرن. ومن المتوقع أن تتوصل القوى العظمى الخمس في مجلس الأمن إلى حد أدنى ذي صلة بهذا الاتفاق بدايةً من مفاوضات الاتفاق النووي الإيراني، التي بدأت هذه الأيام تم توسيعها لهذا الغرض، على أن ترعى ثلاث دول غير عربية شؤون أغلب دول جامعة الدول العربية. فتتولى إيران شؤون العراق وسوريا (بالإنابة عن روسيا) ولبنان، وتتولى تركيا شؤون ليبيا والصومال وبعض دول شبه الجزيرة العربية، وتتولى إسرائيل شؤون فلسطين والأردن والبحر الأحمر وبعض الدول الشقيقة والصديقة التي وقعت معها اتفاقيات. ويعتمد إبرام هذا "التفاهم" على مآل حرب اليمن الذي تتنافس فيه هذه القوى الثلاث سراً وعلانية، نظرا للأبعاد التاريخية والجغرافية والاقتصادية والديمغرافية وأهمها مضيق باب المندب. ومن المرجح أن تتقاسم فيه هذه الدول الإقليمية الثلاث النفوذ بالإنابة عن القوى العظمى الراعية لها.

المناذرة والغساسنة

إن التاريخ لا يرحم المجتمعات التي لا تتراحم بينها. ولا أدل على هذا من أنه يُقال أن آخر ملكٍ من حوالي 20 من ملوك المناذرة بالعراق، النعمان بن المنذر، الذين خدموا الإمبراطورية الفارسية 3 قرون بإخلاص انتهى به الأمر تحت أرجل فيلة كِسرى. وآخر الـ36 من ملوك الغساسنة بالشام جبلة بن الأيهم الذين خدموا الروم بإخلاص 3 قرون أيضاً انتهى به الأمر فاراً إلى القسطنطينية. وما أرى السيناريوهات التي تقدمت إلا أحداثاً من صُنع بشر مثلنا وإن عملنا معاً بإيمانٍ وروح نضاليةٍ وفيةٍ وعزم صادقٍ على الاتحاد والتعاون فيما بيننا ومع الآخر على أساس الاحترام المتبادل فلن تحتاج منطقتنا لتفاهم رعايةٍ مع فرسٍ أو روم؛ ولن نصنع فقط حاضراً نتعافى فيه من الجائحة، بل وسنصنع مستقبلاً يفخر به أحفادنا ويرضي الله عز وجل، وهو ولينا في الدنيا والآخرة، ونسأله أن يتوفنا مسلمين ويلحقنا بالصالحين.