ادعموهم ولا تذلوهم

سالم بن نجيم البادي

"ضحي" المغمور يُناشد مشاهير "السوشيال ميديا": ادعموا أصحاب الحوائج المثقلين بالهموم والديون والظروف القاهرة ووجع الحياة، قدِّموا لهم المساعدة والدعم دون إذلال، ولا تفضحوهم، ولا تجعلوهم يدفعون ثمن إيصال قضاياهم إلى الرأي العام وأصحاب القرار وأهل الخير، ومن لديهم المال والسلطة والجاه، لا تجعلوهم يدفعون ثمنا باهظا من كرامتهم ومشاعرهم ونفوسهم العزيزة وكبريائهم.

أشير هنا إلى ذلك المشهور الذي صور مقطع فيديو للمرأة المديونة، ونشره، وانتشر انتشارَ النار في الهشيم، انتشرتْ صورها بعد أن تم حل مشكلتها، لماذا التصوير بعد أن تمَّ تسديد ديون المرأة وانتهت المشكلة؟

لو أنَّ التصوير تمَّ قبل ذلك، لقلنا "لا بأس"؛ لأنَّ الهدف من التصوير تسليط الضوء على قضية المرأة، وحث أهل الخير على مساعدتها، ولا عبرة بموافقة المرأة المسبقة على الظهور في الفيديو هذا، مع افتراض أخذ موافقتها، ولا يُعتد بهذه الموافقة؛ لأنَّ هذه المرأة رازحة تحت إلحاح الرغبة في التخلص من مشكلتها والتهديد بالسجن ومطاردة أصحاب الدين وتراكم فوائد قرض البنك.. والدين ذلٌّ بالنهار وهم بالليل.

لعلَّ المرأة -وكما ظهر من هيئتها- تُعاني من الفقر، وتحمل مسؤولية إطعام أولادها وأسرتها، وإلا كيف تراكمت عليها كل هذه الديون، وكيف تحملت الوقوف الطويل على قارعة الطريق لتبيع ما تيسر من تلك البضاعة المتواضعة، والموجودة في كل الأسواق، تتلقى نظرات الشفقة، وربما التعجُّب، وربما الاستهزاء والحسد واللامبالاة، والنقد واللوم والاتهام بتشويه صورة البلد؟ وقد يُقال إنها غير محتاجة، لكنها ترغب في جمع المزيد من المال بدافع الطمع.

"لو جالسة في بيتها ما استرلها؟"، "وين أهلها؟"، "ما عندها زوج وأولاد؟"، "ليش ما تفتح محل؟".

قرأتُ واستمعتُ إلى تعليقات مثل هذه، تُوجَّه لامرأة كانت تأتي من محافظة بعيدة إلى محافظتنا لتبيع المنتجات الزراعية الموسمية، لن أتطرق إلى نوايا ذلك المشهور، ولا أعرف الهدف من تصويره للفيديو، وإنْ كُنت أحسن الظن به، وأرجو له الخير والثواب في كل الأحوال، لكنَّني أسجل اعتراضي واعتراض كثير من الناس على تصوير المرأة وقد حُلَّت مشكلتها.

لا يخلو الفيديو من الاستعراض، وحتى الاكشن والتمثيل، والبُعد عن التلقائية والعفوية، حركات يدي المشهور وتعابير وجهه، التصوير عن بُعد ثم تصوير الأغراض التي تبيعها المرأة، ثم الطلب من المرأة إحضار أوراق الدين!! ما الهدف من كل ذلك؟!

ثمَّ تصوير المرأة وهي تنفجر باكية! فيقوم المشهور بمواساة المرأة وكأنه يطبطب على طفل صغير ليسكت بعد طول بكاء: "دموعك غالية يا امي"!!

لا أظن أن أحدكم يرضى بهذا الموقف لوالدته، أو أحد من أفراد عائلته وأهله وأقربائه، وإنَّ لهذه المرأة التي ظهرت في الفيديو أهلًا وأقرباء وعائلة، وربما لها أولاد كبار أو في سن المراهقة، ما الآثار النفسية التي سوف تبقى عالقة إلى الأبد في نفوس هؤلاء الأولاد؟ وما رد فعلهم المتوقَّع بعد سماع التعليقات الساخرة من أقرانهم في المجتمع؟!

أتخيَّل أحد أولاد هذه المرأة يقول لها: "يا أمي، فضحتينا قدام الناس، مستوية طلابة".

عزيزي المشهور.. يقول لك "ضحي": تذكَّر أنك تصوِّر إنسانًا من دم ولحم ومشاعر وأحاسيس، ولديه أسرة وكرامة وعزة نفس، وتذكَّر أنك لا تصوِّر صينية عيش وعوال أو صفرية صالونة في مطعم شعبي تعمل لهم إعلانات مقابل مبلغ مالي، تفعل ذلك وأنت تجري من ولاية إلى أخرى هذا من حقك وحلال عليك.. غير أنَّ تصوير البشر الغلابة والمساكين مسألة نضعها أمام الجهات ذات الشأن للنظر فيها.