طالب المقبالي
جائحة كورونا التي اجتاحت العالم بأسره، أسقطت جميع الأنظمة والقوانين والأعراف التي تعودت عليها شعوب العالم؛ فبسبب هذه الجائحة شهدنا الحظر الليلي ومنع التجوال الذي لم نسمع عنه إلا في المناطق التي تتعرض للحروب، كما شهدنا حظرَ التنقل بين الولايات والمحافظات، وهذا ما لم نعهده ولم نشهده إلا مع هذه الجائحة.
وبسبب هذه الجائحة، شهدنا ما هو أعظم وأشد وطأة، ألا وهو غلق المساجد ومنع صلاة الجماعة والجمعة وصلاة التراويح وصلاة العيد، وقد مضى على ذلك عام دون أن تلوح في الأفق بوادر انفراج هذه الأزمة، خاصة مع الطفرة الجديدة وتزايد أعداد حالات الإصابة، وارتفاع أعداد الوفيات والمنومين في المستشفيات، والمنومين في أقسام العناية الفائقة.
لقد بدأنا أواخر العام الماضي نشهد تراجعاً في أعداد حالات الإصابة، وارتفعت نسبة الشفاء إلى 94%، ومع مطلع العام الجديد 2021 ومع ظهور الفيروس المتحور في بريطانيا، بدأت تلوح في الأفق توجُّسات من خطر ارتفاع الحالات، وهذا ما يحدث الآن حيث انخفضت نسبة التعافي إلى ما دُون 90%، وحكومة السلطنة -ممثلة في وزارة الصحة- تبذل قصارى جهدها لتوفير اللقاحات من مختلف الدول المنتِجة للقاحات (أمريكا وبريطانيا والهند وروسيا)، وشرعت في تطعيم العاملين في الخطوط الأولى من الأطباء والممرضين والمساعدين لهم، ثم بعد ذلك تم تطعيم كبار السن من 65 سنة فصاعداً، وكذلك المصابون بالأمراض المزمنة، أعقب ذلك كبار السن من 60 سنة فصاعداً للمواطنين والمقيمين على حدٍّ سواء، حيث يتم توفير التطعيم بالمجان.
كما صدرت مؤخراً توجيهات سامية بتوفير اللقاح للجميع في محافظة مسندم من سن 18 سنة فصاعداً، بمكرمة سامية من لدن حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله.
والمؤسف حقاً كثرة المحرِّضين عبر وسائل التوصل الاجتماعي من تلفيق الدعايات المضللة ضد اللقاحات، مستعينين، بما يُنشر من مقاطع فيديو ومقاطع صوتية تحثُّ على عدم تناول اللقاح، وتبيِّن خطورة وهمية ابتكرها رواد التواصل الاجتماعي، والمتهربون من أخذ اللقاح بحثِّ الآخرين على عدم أخذه.
وعن تجربة شخصيَّة في التطعيم من خلال تطعيمي بلقاح "أكسفورد- أسترا زينيكا"، قبل أسبوعين من كتابة هذا المقال؛ فإنني ولله الحمد لم أشعر بأية أعراض مما قيل عنها، ولا أدري إنْ كان لفصائل الدم أو الجينات الوراثية دور في ظهور وعدم ظهور الأعراض، ولكن التقارير التي تطالعنا بها وسائل الإعلام في مختلف دول العالم لم تبيِّن أنَّ هناك وفيات حدثت بين أوساط من أخذوا اللقاح.
وبرغم المساوئ من هذه الجائحة، إلا أنَّ هناك فوائد قد جناها كثير من الناس من هذه الجائحة، ونحن اليوم في هذا المقال لسنا بصدد ذكر الفوائد لأنها قليلة في ظل الخسائر والمساوئ التي عمت سائر الأفراد في العالم.
ومع اقتراب شهر رمضان الفضيل، الذي عِشنا تجربة أولى منه في ظل الجائحة من غلق المساجد، وصلاة التراويح على مَضَض في المنازل، يهلُّ علينا الشهر الفضيل بعد بضعة أيام، ويأمل الجميع فتح جميع المساجد مع الأخذ بالاحترازات الوقائية، استنباطاً من تجربة المساجد المفتوحة التي تستوعب 400 مصلٍّ فأكثر. مع الأخذ في الاعتبار التباعد الذي أوصى به ديننا الحنيف بمسافة قصيرة؛ بحيث لا تتسع المسافة لمصلٍّ آخر، وليس شرطاً التراص في الصلاة في حال وجود ظروف تمنع ذلك، ولا أعتقد أن التباعد بمسافة 30 أو 50 سم يسبب العدوى في حال الالتزام بلبس الكمام، واصطحاب سجادات خاصة، مع تعقيم اليدين. لا أنصِّب نفسي هنا خبيراً في الأمور الصحية، ولكن من باب المنطق طالما لا يوجد تلامس مباشر، فإن انتقال العدوى مستبعد.
يقول الشيخ الدكتور كهلان بن نبهان الخروصي مساعد المفتي العام للسلطنة، في ردٍّ على أحد السائلين عن حكم التباعد بمسافة متر ونصف في الصلاة؟ قال: "الحقيقة أنَّ في النفس شيئاً من مثل هذا التباعد، إذ معنى صلاة الجماعة الانتظام في الصفوف".
هذا الذي دلَّت عليه الأدلة الشرعية، حينما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الجماعة بتسوية الصفوف؛ فقال: "سووا بين صفوفكم، حاذوا الأقدام بالأقدام، والمناكب بالمناكب، فإن تسوية الصفوف من تمام الصلاة"، فكان عليه الصلاة والسلام يأمُر بتسوية الصفوف. هذا هو صف الجماعة أن يقفوا مصطفين خلف إمامهم ولا يتركوا فرجاً، وكان عليه السلام ينهاهم عن ترك الفرج في الصلاة.
ويقول الشيخ كهلان: ثم جاءت الأدلة الشرعية مرخصة في ترك الجماعة في حالة المرض والخوف، بأن يصلي الناس في بيوتهم، وينادي المنادي "ألا صلوا في رحالكم" أو صلوا في بيوتكم!