"رويترز": بالعصا والجزرة.. السعودية تبدأ في كسب الشركات في سباق إقليمي

عواصم - رويترز

عندما اختارت شركة سي.إس.جي نقل مقرها الإقليمي هذا العام من دبي إلى الرياض كان ذلك بمثابة نصر مبكر للسعودية، وثبت أن الانتقال كان سهلا على غير المتوقع لشركة التكنولوجيا الأمريكية إذ بدأ المكتب الجديد نشاطه خلال شهرين فحسب، وشركة سي.إس.جي واحدة من عدة شركات أجنبية وافقت في وقت سابق من العام الجاري على إقامة مكاتب إقليمية لها في السعودية بدلا من الإشراف على عملياتها عن بعد من دبي مركز النشاط التجاري الإقليمي في دولة الإمارات.

وكان إنذار سعودي في منتصف فبراير قد دفع بعض الشركات لإعادة التفكير في استراتيجيتها وكان فحواه أنه يتعين اعتبارا من 2024 على الشركات الراغبة في الحصول على تعاقدات حكومية في السعودية، صاحبة أكبر اقتصاد في الشرق الأوسط، أن يكون لها مكاتب على أرض المملكة، غير أن الحكومة عملت بالتوازي مع هذا النهج الخشن على البدء في إصلاحات اقتصادية واجتماعية كاسحة لجذب المستثمرين وذلك بهدف تسهيل العيش والعمل في المملكة وقلصت الإجراءات الروتينية التي كانت تثنيهم عن القدوم إلى المملكة.

وقال جيمس كيربي رئيس عمليات سي.إس.جي في أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا في لندن لرويترز "الثقل الكبير الذي تقف به الحكومة السعودية وراء مبادراتها ودعم ذلك بتحركات حقيقية مشجع جدا حقا"، وأضاف "أتوقع أن تقتدي شركات أخرى بنا".

وربما تظل دبي المركز الرئيسي للأعمال في المنطق. ودبي مدينة عالمية يوجد بها واحد من أكثر مطارات العالم ازدحاما، على الأقل قبل الجائحة، وتوجد بها فنادق ومطاعم خيالية، غير أن السعودية تنفذ خطة جريئة للحاق بها. ففي أوائل فبراير قالت وكالة الأنباء السعودية (واس) إن 24 شركة عالمية وقعت اتفاقات لإنشاء مكاتبها الإقليمية الرئيسية في الرياض عاصمة أكبر دول العالم المصدرة للنفط، وقالت واس إن هذه القائمة اشتملت على شركات بيبسيكو وشلومبرجر وديلويت وبي.دبليو.سي وتيم هورتونز وبكتل وروبرت بوش وبوسطن ساينتيفك.

وردا على طلبات من رويترز للتعليق أكدت شركة "بكتل" أنها أقامت مكتبا إقليميا في السعودية. وقالت بي.دبليو.سي إن لها مكتبا استشاريا إقليميا في الرياض وذكرت ديلويت إنها مستعدة للعمل "كشريك إستراتيجي" لمساعدة السعودية في تحقيق أهدافها. وقالت بوش إنها تستكشف فرص العمل في المملكة، ولم ترد الشركات الأخرى في القائمة.

 "تقدم كبير"

وبموجب التغييرات الاقتصادية التي دفع بها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الحاكم الفعلي للمملكة، قفزت المملكة 30 مركزا منذ 2019 في قائمة سهولة إداء الأعمال التي ينشرها البنك الدولي. وأصبحت السعودية الآن في المركز 62 وإن كان الفارق كبير بينها وبين الإمارات التي تحتل المركز 16.

وقال خالد الفالح وزير الاستثمار السعودي لرويترز في رسالة بالبريد الإلكتروني إن المملكة حققت تقدما كبيرا في السنوات الأخيرة في إصلاحات رئيسية فسمحت بالملكية الأجنبية بنسبة 100 في المئة في عدد من القطاعات وطبقت عددا من الإصلاحات الأخرى، وأصبح الحصول على ترخيص لمستثمر أجنبي يتطلب الآن وثيقتين فقط بدلا من 12 وثيقة ويمكن استخراجه في ثلاث ساعات بدلا من ثلاثة أيام.

وقالت الهيئة الملكية لمدينة الرياض لوسائل الإعلام السعودية إنها تعتزم جذب 500 شركة أجنبية بحلول 2030، وللمساعدة في تحقيق ذلك كشفت السعودية النقاب عن سلسلة من المبادرات. ويهدف صندوق الثروة السيادي السعودي لإطلاق شركة طيران جديدة للتنافس مع الشركات الخليجية ومن المقرر إقامة فنادق جديدة، كما تعمل الرياض على إنشاء شبكة لقطارات المترو في الوقت الذي تم فيه تخفيف بعض القيود الاجتماعية مثل رفع الحظر على دور السينما.

إلا أن الثغرات التي يتعين سدها لا تزال كثيرة إذا كان للرياض أن تنافس دبي. وليس أقلها حاجة الرياض إلى المزيد من المدارس الدولية لاجتذاب الوافدين من أصحاب المهارات وأفراد أسرهم على حد قول مديرين تنفيذيين، وقال علي السالم الشريك المؤسس لشركة أركان بارتنرز وهي شركة استشارية للاستثمارات البديلة "دبي لم تبن في يوم واحد وكان مسار نموها عضويا نسبيا. والسعودية تتطلع لتحقيق أهدافها بوتيرة غير مسبوقة..."

* تريث للتفكير

ولدى المستثمرين مخاوف أخرى أيضا إذ تواجه السعودية سلسلة من الانتقادات الغربية لسجلها في مجال حقوق الإنسان ولا سيما مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي عام 2018 على أيدي عملاء سعوديين في قنصلية المملكة بمدينة اسطنبول التركية، وفي حملة على الفساد عام 2017 تم احتجاز مجموعة من الأمراء السعوديين والوزراء السابقين وكبار رجال الأعمال لعدة أسابيع أو أشهر في فندق تحول إلى مركز اعتقال.

وبالنسبة للسعودية التي كونت ثروتها من احتياطيات النفط الضخمة تتزايد الحاجة الملحة لجذب المستثمرين وتنويع النشاط الاقتصادي مع سعي العالم لتقليل اعتماده على الوقود الأحفوري، غير أن جيم كرين الزميل الباحث بمعهد بيكر في جامعة رايس بمدينة هيوستن قال إن توجيه إنذار للشركات الأجنبية لإنشاء مكاتب لها في المملكة ربما يعرقل مساعي السعودية بدلا من أن يفيدها، وأضاف أن الإنذار "تفوح منه رائحة الإحباط والتعسف" ، وقال "هذا واحد من الأمور التي ربما ستدفع الشركات ومديريها التنفيذيين للتريث بعض الشيء قبل المضي قدما".

وقد أبدت دبي، التي اقتنصت التاج من البحرين في التسعينيات على مستوى الإقليم، استعدادها للمقاومة من أجل الاحتفاظ باللقب؛ فقد أعلن حاكم دبي خطة خمسية لزيادة حركة النقل الجوي والبحري بنسبة 50 في المئة وزيادة حركة السياحة والسعة الفندقية إلى مثليها خلال العقدين المقبلين.

غير أن السباق لجذب الأعمال لا يعني بالضرورة الاختيار بين الرياض ودبي مثلما برهنت شركة سي.إس.جي المدرجة في سوق ناسداك. فرغم أن الشركة نقلت عملياتها الإقليمية إلى الرياض فهي لا تعتزم إغلاق مكتبها في دبي، وقال دانييل بيتمان بشركة أسترولابز التي تساعد الشركات في إنشاء مكاتب في السعودية "أنا شخصيا لا أتوقع أن تطوي الشركات عملياتها في دبي وتنتقل فحسب إلى السعودية"، وأضاف "أتصور اندفاعا على محورين على الشرق الأوسط ... يكون لها فيه وجود قوي في الاثنين الإمارات والسعودية".

تعليق عبر الفيس بوك