رحلتي مع مهنة المتاعب (1 - 2)

طالب المقبالي

muqbali@gmail.com

لم أكُن أتوقَّع أن مُغادرتي وكالة الأنباء العمانية سهلة إلى هذا الحد، بعد مشوار طويل امتد إلى ثلاثة عقود ونصف؛ ففي يوم الإثنين 15 مارس 2021م قدمتُ رسالة إلى الفاضل مدير عام ورئيس تحرير وكالة الأنباء العمانية، أطلب فيها إعفائي من مهمتي الصحفية بالوكالة، من أجل التفرغ لإدارة صحيفة النبأ الإلكترونية، ومن أجل إتاحة الفرصة لجيل الشباب.

قصتي مع وكالة الأنباء العمانية قصة طويلة صاحبتها قصص مع مختلف وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية؛ فهي قصة ممتعة تفوح من عبقها الذكريات الجميلة، قصة عامرة بالصعاب والمشقة التي تتجلى في مفهوم "الصحافة.. مهنة المتاعب".

فعلى مدى 36 عاماً خضتُ من خلالها غمار تجارب عديدة، بدأت بتاريخ 9 فبراير 1985 قادتني إليها الصدفة، وأوقعتني في غرام حبها، حين سمعت أحد الأقارب العاملين بالإذاعة آنذاك يذكر أنه تم افتتاح مكتب لوكالة الأنباء العمانية، ويبحثون عن مراسلين في الولايات. تناولت ورقة وقلما من فوري، فكتبت رسالة بدأتها ببسم الله الرحمن الرحيم، ثم ضمَّنتها طلبي ورغبتي في خوض غمار هذه التجربة التي لطالما حلمت بها. لم أنم تلك الليلة من كثرة التفكير في هذا الأمر، وفي الصباح الباكر وقبل شروق شمس السبت 10 فبراير 1985 أدرت محرك سيارتي الميتسوبيشي الزرقاء متوجها إلى العاصمة مسقط دون أن أتناول الإفطار من شدة الفرح، وينتابني الخوف من أن يسبقني أحد لهذه المهمة، لكن يقيني بالله كان كبيرا في أن يوفقني لها.

وبالفعل، وصلت إلى مبنى وزارة الاعلام، فسألت عن مكتب الوكالة، وإذا بشاب جميل طيب المُحيَّا صاحب ابتسامة جميلة استقبلني بكل ترحاب. سلمته الرسالة بيد مرتعشة، فطلب مني صياغة خبر وكان عن حدث قريب واقعي من الرستاق، فأعجب بالخبر، وقال هل سبق لك أن عملت في هذا المجال؟ قلت له: لا، قال متعجباً: غريبة!! لقد قُمت بصياغة خبر يحتوي على مقدمة الخبر وعلى صدر الخبر وعلى خاتمة الخبر، وهذه هي أهم عناصر الخبر، فمن أين لك بهذه المعرفة؟

قُلت له كل يوم أكتب نشرة أخبار مختصرة لابنة أخي لتلقيها في طابور المدرسة الصباحي، وكنت أسجل نشرة الأخبار في الليل من إذاعة سلطنة عُمان وأفرغها في ورقة، ومن هنا انطلقت رغبتي في ممارسة هذا العمل.

ابتسم الأستاذ سعيد القعيطي -رحمه الله- وبارك لي هذه المهمة، وأعطاني خطوط مسار العمل وكيفية إرسال الأخبار. كان الأستاذ سعيد القعيطي -رحمه الله- مدير مكتب الوكالة آنذاك، وكان يعمل معه ثلاثة أشخاص لإرسال الأخبار عن طريق التلكس. عدت إلى الرستاق وبدأت في زيارة المؤسسات الحكومية لأعرف بنفسي كمراسل للوكالة بالرستاق، وفي نفس الوقت أعرِّف بالوكالة.

لقد خضعت لفترة تجريبية لمدة ثلاثة أشهر، تكللت بالنجاح بصدور القرار الإداري الموقع من سعادة وكيل وزارة الإعلام آنذاك رقم 20/1985 الصادر بتاريخ 1/4/1985م.

وفي العام 1986، صدر المرسوم السلطاني السامي رقم  39/1986 بتاريخ 29/5/1985م بإنشاء وكالة الأنباء العمانية رسميًّا بعد مُضي عام من التحاقي بها، وتم تعيين الشيخ محمد بن سالم المرهون مديراً عاماً للوكالة، كما تم تعيين الشيخ حمد بن محسن العبري مديراً للشؤون الإدارية والمالية نقلاً من وزارة المالية، وتم نقل المرحوم سعيد القعيطي للعمل بإذاعة سلطنة عمان.

لقد واجهت في عملي الكثير من الصعاب والتحديات، وكانت هي الطاقة التي أستمد منها قوتي التي أوصلتني إلى هذا اليوم الذي أكتب فيه هذه القصة لأعرض عليكم مسيرة ثلاثة عقود ونصف، مارست فيها جميع وسائل الإعلام المقروءة والمرئية والمسموعة، واختتمتها بالإلكترونية.

وإضافة لمراسلة وكالة الأنباء العمانية كأول مراسل لها بالرستاق، راسلتُ الإذاعة والتليفزيون كأول مراسل لهما بولاية الرستاق، كما راسلت جريدة "الشبيبة" كأول مراسل لها بولاية الرستاق، إلى أن سُحبت مني بسبب وشاية كيدية، عرفتُ صاحبها لاحقاً ولكن غَضَضتُ الطرف، وقلت "المسامح كريم"، فعوَّضَنِي الله بأفضل منها، كذلك راسلت جريدة "الرؤية"، وكانت هي البديل الأفضل الذي عوَّضني الله بها.

كما راسلتُ جريدة "وجهات" السياحية، ولكل جهة من هذه الجهات قصة مستقلة، وتوِّجت هذه المسيرة بإنشاء صحيفة النبأ الإلكترونية في العام 2018م، والتي بدأت تزاحم الصحف الكبرى ولله الحمد.

وللقصة بقية وأحداث كثيرة تقرؤونها في الجزء الثاني من هذا المقال في الأسبوع المقبل بإذن الله تعالى، تتضمن الصعاب التي واجهتها في كيفية حصول الخبر وإرساله في ظل انعدام وسائل الاتصال، وأحداث ومغامرات أخرى.