جمال الكندي
تدخُل حرب اليمن عامها السابع بمنعطف سياسي وعسكري كبير، سوف يغير من المشهد العام فيها، فبعد حرب بدأت بأوامر أمريكية لمدة ست سنوات بقياد التحالف السعودي، لم تشهد خلال سنواتها الست تغييرا إستراتيجيًّا ملموسا لصالح التحالف السعودي، خاصةً في الشمال اليمني الذي يعتبر الحديقة الخلفية للسعودية، ويهمها أن يكون النظام الحاكم فيها يتماشى مع الرؤية السعودية الأمريكية سياسيا واقتصاديا وعسكريا.
ما حَصَل في اليمن من سيطرة تيار سياسي مخالف للفكر السعودي، ومدعوم من إيران، كان الخط الأحمر الذي تم تجاوزه في اليمن، فكانت حربًا فيها لإقصاء هذا المكون وإرجاع الشمال اليمني إلى الحضن السعودي.
جبهة مأرب مشتعلة منذ أكثر من سنة، وهي حلبة تضم عدة جبهات للمواجهات العسكرية مع التحالف السعودي، ولكنها اليوم هي الأهم وتتصدر العناوين السياسية والعسكرية في المشهد العسكري اليمني، لقرب سيطرة حكومة صنعاء على المدينة، فهي ذات أهمية إستراتيجية وجغرافية، حيث تعتبر قاعدة للتحالف السعودي في محاربة الجيش اليمني واللجان الشعبية، وهي عقدة الطرق بين المحافظات الشمالية والجنوبية، وتعتبر آخر معقل بيد حكومة هادي في الشمال اليمني تقريباً، وهي أكبر خسارة إستراتيجية للتحالف السعودي.
وبالمقابل، هنالك اهتمام أمريكي بهذه المحافظة، ومطالبة حكومة صنعاء بوقف الزحف إليها والعودة إلى المفاوضات، وهذه النغمة التي لم نكن نسمعها أمريكيا من قبل دليل على أهمية محافظة مأرب في خلق معادلات وتوازنات سياسية ليست في صالح التحالف السعودي، والطلب الأمريكي للجيش واللجان الشعبية بوقف التقدم إلى مدينة مأرب يظهر مدى أهمية هذه المدينة. فجغرافيا تمتد محافظة مأرب على مساحة 17,405 كم، وتبعد عن صنعاء مسافة 170 كم، وهي القاعدة العسكرية الأولى والأكبر للتحالف السعودي وحكومة الرئيس هادي في الشمال اليمني، وتضم مقار وزارة الدفاع ورئاسة هيئة الأركان العامة. فأهمية مدينة مأرب تكمن في الزخم العسكري المتواجد على أرضها، وخسارة هذه المدينة يعني نهاية السيطرة على الشمال اليمني، وفي حالة السيطرة عليها من قبل حكومة صنعاء وعدم التوصل بعدها إلى اتفاق ينهي حرب اليمن ستكون قاعدة ينطلق منها الجيش اليمني واللجان الشعبية نحو محافظات الجنوب اليمني، وهذا ما لا تريده أمريكا.
أما أهمية مدينة مأرب بالنسبة لحكومة صنعاء، فستكون الرئة البديلة عن ميناء الحديدة للحصول على المشتقات النفطية التي هي ممنوعة على حكومة صنعاء بسبب الحصار البري والبحري والجوي المفروض عليها من قبل التحالف السعودي، لأنها من أهم المحافظات اليمنية المنتجة للغاز والنفط، عوضاً عن قيمتها التاريخية بوجود أهم المواقع الأثرية والتاريخية في اليمن كسد مأرب وعرش بلقيس وغيرها. ولكن الأهم من ذلك بالنسبة لحكومة صنعاء أنها أخر معاقل الرئيس هادي في الشمال اليمني وهي التي ستكسر حصار التحالف السعودي لوصول المحروقات لمناطق سيطرتها، بسيطرتها على منابع النفط والغاز في هذه المحافظة.
مطالبة أمريكا بوقف التقدم على مأرب له أسبابه التي ذكرنها، ولكن إصرار الجيش اليمني واللجان الشعبية بالسيطرة على المدينة له أسبابه كذلك، وستبقى مدينة مأرب هي البوابة التي من خلالها ستعقد اتفاقات التسوية بين الرئيس هادي وحكومة صنعاء، التي ستفاوض من منطق القوي إذا أرادت أمريكا وقف زحف الجيش اليمني واللجان الشعبية تجاه هذه المدينة، وشروط حكومة صنعاء واضحة ويعلمها الجميع.
التطورات الميدانية تجاه محافظة مأرب ستجبر حكومة هادي للجلوس على طاولة التفاوض، وطبعاً بأمر أمريكي وتوافق سعودي، فهنالك سيناريوهان لذلك؛ الأول: التفاوض مع حكومة صنعاء بشروطها، بشرط وقف تقدمها نحو مدينة مأرب، وفي ذلك عدم خسارة الرئيس هادي لأهم معاقله في الشمال، والسناريو الثاني -وهو الأسوأ بالنسبة للتحالف السعودي: خسارة مدينة مأرب والتفاوض من أجل وقف الحرب، وعدم إعطاء الذريعة للجيش اليمني واللجان الشعبية للتقدم نحو المحافظات الجنوبية ومد سيطرتها على المناطق ذات الأهمية الاقتصادية في الجنوب.
معركة مأرب ونتائجها سوف تؤسس لمعادلة سياسية جديدة في المنطقة بوجود لاعب سياسي جديد في المشهد السياسي اليمني له أجنداته الداخلية والخارجية المختلفة عن الرؤية السعودية الأمريكية، وحرب اليمن فشلت في ازالته وهم أنصار الله.
هذه المكون له شعارته التي انطلق منها في حربه مع التحالف السعودي وحكومة هادي المفروضة عليه، وهي معادية لأمريكا وإسرائيل، وهذا بدوره سوف يخلق بيئة مشابهة موجودة في العراق ولبنان، وهي المعروفة بتيار المقاومة والممانعة سياسياً وعسكرياً، خاصةً بعد تعاظم قوة أنصار الله الصاروخية التي ستكون مشابهة لما عند حزب الله في لبنان، وهذا ما يُقلق إسرائيل وأمريكا. فوقف الحرب والتفاوض يعني وجود سيناريو مثل سيناريو لبنان، فصيل داخل دولة له قوة سياسية وعسكرية معادٍ لإسرائيل وأمريكا في المنطقة وحليف لإيران.
مهما كانت مخرجات الاتفاق اليمني-اليمني، يبقى إنهاء الحرب والجلوس الجدي على طاولة التفاوض ضرورة إنسانية ملحة لطرفي النزاع في اليمن، لما سببته هذه الحرب العبثية الكارثية من مآسٍ ودماء وخراب وعداوات ليمنيين كافة في الشمال والجنوب، فهل تكون معركة مأرب بداية نهاية حرب اليمن؟ معطيات الميدان والسياسة تبشر بذلك، وما علينا إلا أن ننتظر تحقق ذلك عملياً على الأرض اليمنية.