طالب المقبالي
منذ انطلاق مسيرتي في كتابة المقالات في العام 2014، والتي بدأتها بمقالي الأول بعنوان "إذا أخذت مكاني فخذ إعاقتي"، لم أتوقَّف عن الكتابة إلا مرة واحدة فقط، وهي بتاريخ 2 يناير عام 2019، فانهالت عليَّ الاتصالات الهاتفية من الأصدقاء والمحبين، ومن القرَّاء المتابعين عبر وسائل التواصل الاجتماعي، حتى أحسستُ أنَّني ارتكبت أكبر ذَنب في حياتي.
وبتاريخ 9 يناير 2019، كتبتُ مقالاً بعنوان "صاحب القلم لا يتوقف"؛ ذكرتُ فيه ذات السبب الذي توقفت فيه عن كتابة مقال الأربعاء الذي سبقه، وكان مطلع المقال يقول: "أعلنت الأسبوع الماضي توقفي عن كتابة المقالات مُؤقتاً كاستراحة محارب كما يُقال، وذلك لالتقاط الأنفاس، وإعطاء دماغي استراحة عن التفكير في هموم المجتمع، واعداً بالعودة إلى الكتابة متى ما كان ذلك ممكناً، ومتى ما دعت الحاجة إلى ذلك".
وهو نفس السبب الذي أردتُ التوقف من أجله هذه المرة، وكنتُ أحسَبُ أنَّ ذلك كان مُمكناً، وهو ذات الشعور حين قلت في ذلك المقال: "وكنت أظن بأن هذا الأمر هيِّن، وأنه من السهولة بمكان أن آخذ نفساً عميقاً بعيداً عن التفكير في الهموم والمشاكل؛ فمعظم كتاباتي تنصب في نقل نبض المجتمع، وتلمُّس الحلول لدى أصحاب القرار".
الكاتب حمود الحاتمي، هو أوَّل من افتقد مقالي، ونبَّه إلى عدم نشر المقال، مشيراً إلى موعده الأسبوعي المنتظم دون انقطاع، فرددت عليه مُبرِّراً أسباب التوقف عن الكتابة هذا الأسبوع؛ فقلت: نعم، سبع سنوات ولم أتوقف عن الكتابة، وهي استراحة لالتقاط الأنفاس، وأيضاً ربما لإتاحة الفرصة للكتاب الآخرين.
كما قُلت إنَّني أفكر جدِّيا في اعتزال الكتابة إذا قدرت لأتفرغ لأمور واهتمامات أخرى أجَّلتها لما بعد التقاعد.
فالمقالات أصبحت لا تؤدي الغرض مثل السابق، الآن نكتب ونناشد ولا أحد يسمع، كنا في السابق نتلقى الردود من الجهات المعنية لزف البشرى للناس بتوضيح خطط تلك الجهات تجاه تلك الخدمات التي طالبنا بها، وأحياناً التنفيذ الفوري.
فما إنْ كتبت هذا الرد، حتى توالت ردود الأفعال، ولكن هذه المرة من الجهات العليا في عالم الصحافة والرأي، ردود أفعال من كبار الكتاب، ومن أساتذة تعلمتُ منهم كتابة الأحرف الأولى في عالمي هذا، وأولهم الأستاذ القدير المكرم حاتم بن حمد الطائي عضو مجلس الدولة رئيس تحرير جريدة "الرؤية"؛ حيث قال: "صباح كل يوم أربعاء نبحثُ عن مقالك وكلماتك التي عوَّدتنا عليها لنتعرف عليك أكثر ونحبك أكثر".
أمَّا الكاتب الأستاذ مسعود الحمداني، فقال: "الكتابة متنفس للحياة، لا تهتم للردود، اكتب من أجل نفسك ومن أجل الوطن، فالكتابة رسالة ويظهر أثرها ولو بعد حين، دمت قلماً وقلباً معطاء".
أمَّا الكاتب جابر حسين العماني، فيقول: "وما ذنبنا نحن المتابعين المحبين الذين عشقنا قلمك وفكرك المتدفق بنور العلم والفهم، أليس من الظلم أن نصحو كل يوم أربعاء ولا نرى حروفكم التي نهتدي بها؟".
أمَّا الكاتب الدكتور خالد الخوالدي، فيقول: "حِسُّك الوطني مطلوب في العهد الجديد، وكما قال الأخوة الكرام سابقاً الكتابة ليست لهم، ولكنها تعبير عما نُكنه ونرغب بمشاركة غيرنا فيه".
ويضيف الكاتب حمود الحاتمي قائلاً: "يكفي أن يسأل عنك مُتابعوك، وأنت من تسري الكتابة في دمه، وليست محصورة في المطالبات، كما قال المكرم حاتم.. الكتابة متنفس".
ويُشاركهم الكاتب ناصر العموري؛ حين أشار إلى أن "التجاوب لم يعد كالسابق، وقد تحول القراء إلى الاهتمامات الترفيهية الأخرى، والابتعاد عن قراءة المقالات التي تناقش أوضاع المجتمع وقضاياه، ويضع لبنة للإصلاح".
ويقول الكاتب الأستاذ علي بن سالم كفيتان: "تأكد أبا إسحاق أنك أصبحت أيقونة أدبية في عُمان، ولا يمكن أن يذوب هذا الإسهام الخالد ويتوارى، سننتظر مقالك الأسبوع المقبل كالعادة على كوب شاي الصباح يحلِّي مقالك، فهذا عُرف يومي عندي". إنَّنا ننتظر المقال كهلال رمضان، فأنت كاتب وطني بامتياز، ويعلم الله أننا نُكِنُّ لك كل التقدير، وكتاباتك لها وقع غير مرئي ربما، لكنها ذات تأثير لا شك في ذلك.
ولكُتاب صحيفة النبأ الإلكترونية رأي.. الكاتب الدكتور سعيد بن راشد الراشدي يقول: يكفيك فخراً هذا النغم الإيقاعي الرفيع من متابعيك ومحبيك، وارتباطهم الوثيق بحروفك التي تنسجها صباح كل يوم أربعاء لتُشكل بها عقداً فريداً لهم جميعا.
أما الكاتب أحمد الحراصي، فقال: ما قاله الأخوة سيكون بلا شك رد الكثير ممن عرفوك وعايشوا خط قلمك وأسلوبك الرائع في أخذ هموم المواطن ونقلها للجهات المعنية، قرأت الكثير من الرسائل التي كتبتها في كتابك الأول (رسائل)، وكثيرا ما قارنت ما كانت عليه الأحوال ذلك الوقت، أعني الوقت الذي كتبت فيه تلك الرسائل وما آلت إليه الأحوال بعدها، بالفعل بعضها تم الاستماع لها وتغييرها، رسائل تحمل في طياتها هم مواطن وصرخته نظير ما عايشه من آلام وأحزان، حملتها ووجهتها لوجهتها، لا شك أن أسلوبك في الكتابة وسعيك الدائم هما السر وراء حل الكثير من هذه الهموم؛ لذا فالكثير من الناس اعتمدوا عليك في نقل همومهم ومشاكلهم وأنت بلا شك أهل لها.
الكاتبة مريم الشكيلية تقول: "الكتابة هي تفريغ لنفسٍ طافت بها المعاني وكثرت بها الأحاديث، وما القلم إلا ناطق لما في النفس ومترجم لما في الشعور.. الكتابة وإن لم يكن لها صدى إلا الجدار فهي على الأقل ولدت من صمت (نحن حين نكتب نولد من جديد) فرفقاً بمن ينتظر قلمك وبمن سعدوا بتواجدك بينهم.. نحن نكتب للوطن أولا ثم لأهله.
لم أكُن يوماً أتوقع أن تجد كتاباتي البسيطة المتواضعة كل هذا التقدير والترحيب الذي يطوق عنقي، ويجعلني أمام مسؤولية كبرى للاستمرار، فلعل هذا الحب وهذا الشوق لمقالاتي نابعٌ من كونها تلامس هموم المواطن والمجتمع؛ فأنا كرست نفسي لهذا المجال، ونأيت بها عن القضايا السياسية وهموم العالم فهذا ليس مجالي.
ومن خلال هذا التفاعل وهذا الحب الذي أوليتموني إياه، يستحضرني المثل العماني الذي يُقال حين يريد الإنسان معرفة قيمته وأهميته وعزته لدى الناس: "مُوْتْ أو تَغَرَّبْ".
اسأل الله تعالى أن يُعِينني على تكملة هذه المسيرة، وأن يحفظ عُمان وشعبها، وأن يحفظ سلطان البلاد وقائد مسيرتها المتجددة حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله وسدد على طريق الخير خطاه.