حبر الكلمات

عيسى الغساني

الكلمات هي حروف تكوِّن كلمة أيًّا كان معناها ودلالتها، في البداية تتشكل كخاطرة في الذهن، ثم يتفوَّه بها وينطقها الإنسان مُستخدما حباله الصوتية ومختلف المخارج اللفظية، لتصل إلى المستمع، فتستقبل الأذن هذه الأصوات وترسلها إلى الدماغ الذي يقوم بترجمة معناها، وترجمة معنى الكلمات يختلف من شخص لآخر. فكل شخص يمنح الكلمة دلالة محددة، وهذه الدلالة تأتي من عدة عوامل؛ منها: بيئة الإنسان، ونشأته، ومعرفته، وخبراته، في الحياة.

والكلمات في أصلها طاقة فيزيائية، وهذه الطاقة تولد أثرا ماديا في عقل الإنسان وجسده، فالكلمات ذات المدلول الإنساني والإيجابي تولد مجالا طاقيا إيجابيا ومريحا، والكلمات ذات المدلول السلبي تولد طاقة غير محببة وعدم ارتياح.

والكلمات إيحاء خفي يصل، يشكل ويشعل الوعي والوجدان، وهي غذاء القلب والروح الذي يؤثر علي الصحة الجسدية والنفسية.

والحديث نوعان: حديث النفس؛ وهو حديث الإنسان إلى نفسه، والذي يصنفه علماء النفس على أنه أهم وسيلة يجب أن يحرص الإنسان على الوعي بها وفهمها وتنقيتها من الشوائب؛ فهناك قاعدة تقول: "كل ما تعتقده، وكل ما تفكر فيه يحدث لك في عالمك المادي"؛ فحديثك عن الندرة والضرر يولِّد ندرةً وضررًا، وحديث الإنسان عن الوفرة والصحة يولد الوفرة والصحة.. فأنت ما تفكر فيه.

وإذا كانت الطبيعة الخلابة تسرُّ الناظرين، فكذلك الكلمات الرفيعة تبهج وتسر السامعين. فمثلا كلمات الإطراء مثل: قمت بعمل جيد، أنت مجتهد، والكلمات المحفزة للأبناء: أنت نشيط ومنظم ومجتهد وصادق، لها تأثير نفسي ومعنوي كبير، والحرص على ترديدها -كما يُؤكد علماء التربية- يدعم ويعزز الصحة النفسية.

ومفردات النقاء، والمودة، والرحمة، والإخلاص، والأمل، والنجاح، والمثابرة.. كلمات لها مدلول نفسي وعقلي ووجداني ينشِّط ويحفِّز الخيال لكل ما هو جميل وبه رونق وبهاء وجلال.

وعندما نكتب ما يبقي الكلمة الحبر المكتوب بها، فأفضل الكلمات إذا كتبت بحبر سيئ، لم تُقرأ كما كتبت، أو تقرأ خطأ، وكذلك عندما تكتب على ورق سيئ يذهب الحبر والورق. وكلماتنا هي الحبر والورق، فما وافق قانون الطبيعة الأزلي وهو الخير لمن في الكون والتناغم مع نواميس الطبيعة، يبقى مِداده وأثره، ويستمر ناشرا روح المودة والصفاء.

وما هو مخالف لقاموس الحياة يزول حبره ويفنى.. فلنختَر أجمل الأحبار وأعذب الكلمات وأرقها، لتشفِي أرواحنا وتحيي عقولنا وتستقر أجسادنا.