كيف نستثمر 20 مليون ريال لتدريب شبابنا؟

د. حمد بن سعيد الرحبي

Oman99433@gmail.com

أقر مجلس الوزراء الموقر برئاسة حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- والذي انعقد يوم الثلاثاء الموافق 9 مارس 2021، بقصر حصن الشموخ، مجموعة من القرارات؛ من ضمنها: إقرار خطة التحفيز الاقتصادي والتي تتضمن عددا من الإجراءات لدعم الجهود المبذولة لتخفيف تداعيات جائحة كورونا وتحفيز وتنشيط الاقتصاد العماني.

ومن بين إجراءات خطة التحفيز الاقتصادي: تخصيص 20 مليون ريال عماني في موازنة هذا العام 2021م لتدريب العمانيين الباحثين عن عمل وتأهيلهم لسوق العمل؛ وهذا ما سيكون محور وجوهر حديثنا في هذا المقال.

لا شك أن التدريب له أهمية كبيرة في اكتساب المعارف والمهارات والاتجاهات اللازمة لأداء عمل ما بشكل متقن واحترافي، وينطبق ذلك على معظم أنواع الأعمال في الحياة؛ كما يجب أن يكون هذا التدريب موجهاً ومحدداً ودقيقاً وقائماً على احتياج فعلي يتناسب مع مؤهلات وقدرات الباحث عن عمل، وكذلك يلبي احتياجات سوق العمل؛ فهذه معادلة دقيقة يجب أن توزن وتضبط متغيراتها حتى يتحقق الهدف الأساسي من هذا التدريب؛ بحيث يؤتي ثماره يانعة، ويسهم في دعم خطة التحفيز الاقتصادي التي تبنتها وأقرتها الحكومة الرشيدة حاليا.

ولكن السؤال الذي يطرح نفسه: كيف نستثمر المبلغ المخصص لتدريب شبابنا الباحثين عن عمل، والذي تمَّ تخصصه بحدود 20 مليون ريال عماني للاستثمار والاستغلال الأمثل؟

بداية.. ووفقا للبيانات المتوفرة لدينا فإنَّ هناك أكثر من 65 ألف باحث عمل من الشباب العماني، وأن 53% منهم من حملة شهادات الدبلوم العالي فأكثر؛ وعليه فإنَّ هذا الأمر يحتم أن يكون التدريب من نوع خاص وليس تدريبا عادياً، أي أن يكون تدريبا عملياً وفي الجوانب التطبيقية أكثر منه من الجوانب النظرية؛ لأن معظم الباحثين عن عمل قد درسوا الجوانب النظرية في مراحل دراستهم المختلفة وهم بحاجة ماسة حالياً لاكتساب المهارات العملية التي تؤهلهم لسوق العمل.

ومن خلال خبرتي المتواضعة في هذا المجال، وبناء على المعطيات المذكورة آنفا، فإنَّ أفضل أنواع البرامج التدريبية المناسبة لهذه الفئات وفي ظل الظروف الراهنة؛ سواء كانت البرامج المالية أو الصحية، هو التدريب على رأس العمل؛ حيث تؤكد أحدث الدراسات والنظريات على أنه من أفضل أنواع التدريب الذي يمكن للمتدرب اكتساب المهارات العملية والتطبيقية لفهم طبيعة الأعمال والمهام التي ستوكل إليه مستقبلا، بدلا من التدريب النظري التقليدي داخل قاعات مغلقة، والذي يتم عادة التطرق فيه للجوانب النظرية التي قد درسها واستوعبها الباحث عن عمل سابقا خلال مراحل دراسته.

لكن: كيف يمكن تطبيق منهجية أو أسلوب التدريب على رأس العمل؟

يأتي ذلك على عدة مراحل؛ وهي: حصر الاحتياجات التدريبية وحصر تخصصات الباحثين عن عمل وأعدادهم ومؤهلاتهم، ثم حصر الجهات والمؤسسات الحكومية والخاصة التي يمكن أن يتدرب فيها الباحثون عن عمل بما يتناسب مع مؤهلاتهم، وبعد ذلك تأتي مرحلة المواءمة بين هذين الجانبين من خلال إعداد خطة زمنية محددة تتكامل فيها عدة عناصر؛ منها: مؤهل الباحث عن عمل، وطبيعة الجهة التي يتدرب فيها، والفترة الزمنية اللازمة للتدريب، وأخيراً مؤشرات قياس فاعلية وكفاءة التدريب الذي تلقاه أو خضع له الباحث عن العمل بما يتناسب وحاجة وإمكانيات سوق العمل في السلطنة.

ويُمكن توضيح وتقريب مفهوم التدريب على رأس العمل هو أن يخضع الباحث عن عمل أو المتدرب للتدريب المباشر في مؤسسات أو جهات أو شركات خاصة لتلقي المهارات والمعلومات التطبيقية والعملية على أيدي من لديهم الخبرة الكافية في هذه المؤسسات؛ بحيث تكون مدة التدريب لا تقل عن 3 أشهر وياحبذا لو لا تزيد على 6 أشهر في أحسن الأحوال، ويمكن صرف إعانة شهرية للمتدرب لتشجيعه على التدريب بشرط المتابعة والتقييم المستمر لمراحل التدريب التي يتلقها الباحث عن عمل.

وبحكم اتساع الرقعة الجغرافية في السلطنة فإنَّ وجود أعداد كبيرة من الباحثين عن عمل يمكن توزيعهم للتدريب على المؤسسات الحكومية والشركات الخاصة في مختلف محافظات السلطنة؛ وعلى سبيل المثال الباحث عن عمل خريج هندسة البترول يُمكن أن يتدرب على راس العمل في شركات قطاع النفط، والباحث عن عمل خريج الإعلام يمكن أن يتدرب في مؤسسات الإعلام المختلفة، والباحث عن عمل خريج التربية يمكن أن يتدرب في المؤسسات التربوية الحكومية والخاصة، والباحث عن عمل خريج الطيران يمكن أن يتدرب في مطاراتنا المختلفة.. كل حسب مؤهله وتخصصه.

وبهذا يُمكن أن نستثمر طاقات الشباب ونوجِّهها التوجيه الصحيح ونؤهلهم للفرص الوظيفية وسوق العمل بشكل احترافي وأيضا يتم استثمار الـ20 مليون ريال عماني خير استثمار والتي تم تخصيصها خلال موازنة هذا العام لتدريب الباحثين عن عمل من شبابنا العماني الطموح، والله تعالى الموفق.

تعليق عبر الفيس بوك