علي بن بدر البوسعيدي
أنتهزُ دائما كل فرصة مواتية للخروج من العاصمة مسقط، تلك المدينة الحديثة التي تزخر بكل وسائل التقنية والتطور، وتعكس مدى التقدُّم الحضاري الذي بلغه وطننا العزيز، وعندما أخرج من مسقط في أيام الإجازات والعطلات الأسبوعية، أضع نُصب عيني العودة إلى الجذور... الماضي التليد وعبق الحضارة العمانية الممتد على مدى التاريخ، فأزور القلاع والحصون وكل موقع تراثي أستطيع الوصول إليه، فأتنفَّس عطر الأجداد الذين أسهموا في بناء الحضارة الإنسانية على مر العصور، وأنهل من تاريخهم ما يُعينني على مواصلة التقدم في الحياة.
وقبل أيام قليلة، ذهبت في زيارة إلى قرية حبرا بولاية وادي المعاول؛ أرض أجدادي، برفقة صديقي الكاتب خلفان الطوقي، وبعد تطواف سريع في أنحاء القرية لاستطلاع الأحوال واستعادة ذكريات العمر بمراحله المختلفة، استقرت بنا الحال في مزرعة أخي السيد هلال بن بدر البوسعيدي، الشغوف بعالم الزراعة والاستزراع، ويكرس جُل وقته من أجل زيادة إنتاجية المحاصيل ورفد وطننا الغالي بمقومات الأمن الغذائي وتلبية الطلب على المزروعات بصنوفها شتى. عندما وصلنا المزرعة كانت نسائم الهواء العليل تداعبنا، وشعرتُ بأني وصديقي ومُضيفنا، في عالم آخر، فالسماء الصافية والشمس الدافئة واللون الأخضر يحيط بنا من كل مكان، وأصوات حيوانات المزرعة والعصافير والطيور تعزف نغمات ريفية أصيلة، تطرب لها الآذان. لفت انتباهي اعتماد المزرعة على وسائل الري المختلفة، لكن أبرزها الاعتماد على مياه الأفلاج، تلك الأنهار الصغيرة المتدفقة في ربوع عمان، وتروي المزارع بما تحتاجه من مياه عذبة، فتتحول الأراضي القاحلة إلى جنان وارفة الظلال، تجود بأفضل أنواع الثمار، من خضراوات وفواكه. عندما تجولنا في المزرعة، ابتهجت عيناي بأشجار الليمون والسفرجل والمستعفل والموز، للحظة شعرتُ بأني أسير على قطعة من الجنة! وعندما حل وقت الغداء، تجمعنا وتناولنا من طيبات المزرعة وحمدنا الله على ما رزقنا من طعام وشراب.
وبعدما انتهينا من زيارة حبرا، توجهنا في طريق عودتنا إلى مسقط، إلى حلبان، حيث كان في استقبالنا الأخ حمود بن سلطان الطوقي، صاحب إسطبلات الطوقي الشهيرة، والمعروفة باحتضانها للخيول العربية الأصيلة، صاحبة الإنجازات في السباقات الخليجية والعربية والدولية، والتي أحرزت العديد من الجوائز داخليا وخارجيا. استقبلنا الأخ حمود وأبناؤه الأفاضل: محمد وعلي وسلطان، والذين استقبولنا بترحاب شديد، عكست قيم الضيافة العمانية الراسخة في نفوسهم. كما تعرفنا على حبهم الشديد للخيل العاديات، واهتمامهم الكبير بها، ليس فقط باعتبارها مصدر رزق، لكن أيضا حرصا منهم على حماية الموروث العماني الأصيل، فالارتباط بالخيل الأصيلة يعزز القيم في النفوس. لذلك؛ دائما ما أدعو الأصدقاء إلى تعويد أبنائهم على ركوب الخيل، والتدرب على الفروسية، كي تغرس فيهم من الخصال أطيبها ومن الأخلاق أحمدها.
... إنَّ العودة إلى الجذور يزيدنا صلابة، وعلينا جميعا أن نتمسَّك بجذورنا وأن نحافظ عليها، خاصة في ظل التطور الهائل للحياة، وما قد يتسبَّب فيه هذا التطور من سلبيات قد تؤثر على قيمنا وعاداتنا الأصيلة.