لطيفة ولكنها كذَّابة

 

سالم بن نجيم البادي

لا يذهب بكم الظن بعيدا.. هي المرأة صاحبة الصوت الرقيق، والتي ترد آليًّا على الذين يتصلون على شركة الاتصالات، وتكون في غاية اللطف حين تقول لك إن مكالمتك تهمُّنا، وزيادة في الاهتمام فإنَّ المكالمة تم تسجيلها، وتشكرك مرارا وتكرارا على انتظارك حتى يتم الرد.

لكنَّ الانتظار يطول ويطول، وتمعن في الكذب أحيانا حين تحدِّد لك بضع دقائق، لكنَّ الدقائق القليلة تصبح كثيرة جدا، وطويلة، ويسرد أحد المتصلين بها تجربته، يقول: أكره الانتظار بطبعي، وحين يُرهقني الانتظار ويُصيبني اليأس أغلق الهاتف، لكن أعود وأكرر المحاولات، أتصل ثم أغلق الهاتف، أفعل ذلك أكثر من مرة مُضطرا، حتى يأتي الفرج، وأحظى بالرد بعد الانتظار المُر والصبر الجميل.

كان قَلِقا من انقطاع الخدمة عن هاتفه من غير سابق إنذار، ومع عدم وصول تلك الرسالة المنذرة والمهددة بقطع الخدمة خلال أيام معدودة إن لم يتم الدفع، وعليك الدفع قبل اليوم الموعود.. لا توجد خيارات أخرى.

أراد أن يعرف سبب الصمت المريب الذي أصاب هاتفه فجأة، وقد كان في الطريق مسافرا، وحاول التواصل مع أهله، لكن ذلك كان ضربًا من المستحيل إنَّه الصَّمت ولا شيء غير الصمت، وتتحوَّل المرأة اللطيفة والكذابة إلى أمراة بالغة القسوة، بدكتاتورية لا تقبل المساومة ولا المداهنة، ولا التفاوض وترفض النقاش والحوار. لترد عليك: "لقد تعذر إجراء المحادثة"، ويتوقف كل شي في انتظار الشبكة!

الخدمة مقطوعة لأنه لم يدفع الـ50 ريالا المستحقة على هاتفه، لكن اليوم التاريخ 25 والشهر لم ينتهِ بعد وهو يرغب في أن يتم تحويله إلى جهة أخرى في الشركة ليسألهم لماذا لم تصله رسالة تحذير قبل القطع، وأن يعاتبهم لأن 50 ريالا مبلغ زهيد!! 

الشركة عملاقة، وتجني أموالا طائلة جدا؛ فلماذا لم يمنحوه مهلة حتى يدبر المبلغ؟! لكنه خَشِي أن يعود لدوامة الانتظار الطويل الذي لا تزال مرارته عالقة في حلقه.

الرَّاتب لا يكفي، وقبل أن يُسافر مر على بقالة القرية ودفع الدَّين الذي ترتَّب عليه نظير مشتريات البيت ومتطلبات الأهل والعيال طوال الشهر الماضي، وكذلك دفع قيمة أعلاف الحيوانات، وأعطى عامل المزرعة الصغيرة راتبَه تحت إلحاحه المتواصل؛ فهو يريد إرسال المال إلى بلاده، ثم دفع قيمة الاشتراك في الإنترنت المنزلي حتى لا ينقطع في زمن التعلم عن بُعد، كما دفع مُستحقات فواتير الكهرباء في البيت والمزرعة.

وتصادف هذا الشهر أن تعطلت الثلاجة في البيت ووجب إصلاحها على وجه السرعة، حتى لا يفسد ما بداخلها.. ومع اقتراب موسم الحر مُكيفات الهواء تحتاج صيانة وإصلاحًا وتعبئتها بالغاز.

كما أنَّ شهر رمضان قد اقترب، وحان موعد خياطة ملابس العيد للنساء، ومعظم أصحاب محلات الخياطة يرفضون استقبال الملابس إذا دخل رمضان أو قبل ذلك  لدواعي زحمة العمل، وعدم قدرتهم على إنجازها قبل العيد.

وتجمَّعت طلبات كثيرة للأولاد كان يُؤجِّلها قائلا لهم: "صبروا لين يطلع الراتب"، وتُؤلمه تساؤلات الأولاد حبن يقولون: "أبوي، كم يوم باقي عن يطلع الراتب؟".. أسئلة متكررة تلاحقه حتي نزول الراتب، ويجب الوفاء بالوعد.

وعنده سيارة دفع رباعي لزُوم وعُورة الطريق والشارع الترابي غير المعبَّد حتى الآن، وهي نهمة تستهلك الكثير من الوقود، ولديه عادة سيئة لعلها كانت أحد الأسباب التي أدت لقطع الخدمة عن هاتفه، عندما يحين موعد دفع قيمة الفواتير يفاوض في دفع نصف المبلغ المستحق، ويرحِّل النصف الآخر إلى نهاية الشهر التالي.. يفعل ذلك عند دفع فواتير الكهرباء والهاتف والإنترنت!

وفي كلِّ مرة يقرِّر عدم تأجيل الدفع حتى لا تتراكم عليه المبالغ المالية، ويَعِد نفسه بذلك، لكنه يعلم جيدا أنه لن يستطيع، لأن جهات كثيرة تنتظر نزول راتبه.

نَسِيت أن أخبركم أن اسم الرجل المتَّصل بالمرأة اللطيفة والكذابة والدكتاتورية والقاسية جدًّا.. "ضحّي".

الأكثر قراءة