ناصر بن سلطان العموري
لا أدري صراحة ما سر العلاقة الوطيدة التي تجمع نزوى مدينة التاريخ والتراث تلكم المدينة المحملة بعبق التاريخ بكل ما تحتويه من قلعة شهباء وحاراتٍ عتيدة عتيقة ومناظر سياحية خلابة، وبين العم سعيد العدواني الذي يُمثل نموذجاً لسكان مدينة نزوى العصاميين؛ ممن تحدوا الصعاب وتحملوا مشقة التعب وذرفوا حبات العرق في سبيل الوصول للمبتغى من لقمة حلال هنية ودخل ميسور يجنبهم نكبات الدهر وأحواله المتقلبة كتقلب الأفئدة.
كنت قد عقدت العزم بعد مُشاهدتي لمقطع فيديو على زيارة العم سعيد العدواني ذلك الشهم الأصيل الذي بلغ من العمر ستين عاماً أو ربما تجاوزها ورغم عمره المُتقدم فلم يأنف العمل بجد ودون كلل وملل في ذلك المقهى الصغير بحجمه الكبير بما يُقدمه من دروس وعبر لم يقدم طعامه في أوانٍ ذات أشكال بديعة وألوان زاهية وأكواب لامعة يُصاحبها برستيج من ورد جبلي وشمعدان صيني وفرش مائدة مزخرف، بل كان كل مافي الأمر بسيط وجميل كأحسن مايكون وما أحلى البساطة وأنت تتناول فطورك الفجري تشاهد إطلالة سوق نزوى التراثي العريق وكأنَّه مارد جاثم فوق مصباحه السحري وهو يستقطب الباعة النشطاء في ذلك الوقت المبكر استعداداً لافتتاح محلاتهم واستقبال زبائنهم بابتسامة جذابة وقهوة فواحة ومنتجات محلية من الأراضي والبحار العُمانية فالأرض الطيبة لا تنجب إلا طيباً.
العم سعيد حين يُباشر عمله قبل الفجر وهو يستقبل زبائنه فهو يقدم دروساً في الإبكار بطلب الرزق وحين ترى ابتسامته العريضة على وجهه المضيء فهو يقدم دروساً في كيفية الاستقبال والترحاب وحين يقوم بخدمة زبائنه على أكمل وجه فهو يستحق أن يمنح شهادة الجودة (الآيزو)، على خدماته فهو لم يفكر مطلقاً أنَّ ما يفعله لا يليق بسنه أو وضعه ولكن كل ما فكَّر به الكسب الحلال من العمل الذي يُسعده ويرتاح الفؤاد له.
تحية للعم السعيد ولأمثاله من الشرفاء الذين يقدمون الدروس تلو الدروس لشباب اليوم بأنَّ العمل مهما كان نوعه فهو ليس بعيب، طالما كان كسباً حلالاً دارا وأن مشوار الألف ميل يبدأ بهمة ونشاط وعرق صبصاب وليس بانتظار مكتب أنيق وشاشة كمبيوتر وكرسي دوار فما أحلى المجد والنجاح إن كانت بدايته رحلة عمل وكفاح.