المُعلَّقة الثالثة: العلم نور

أنيسة الهوتية

لا تُعلِّموا أبناءكم أنَّ المِشوار الدراسي هدفه المال من خلال الوظيفة، فإنَّ العقلَ المُتربي على هذه الفكرة سيقتنع بأنَّ العلم ليس سوى مفتاح للوصول إلى المال! وبذلكَ نكون قد خلقنا قناعات سيئة في شخصياتهم بطريقة غير مباشرة؛ منها:

- إنْ لم يتعلم سيضطر لشغل وظيفة دُنيا براتب متدنٍّ ويعيش حياة البُسطاء! وهُنا يكونُ قد تَعلمَ عدم تقدير الوظائف البسيطة والعاملين بها. واحتقار نفسه في حال لم يستطع الوصول إلى ما زَيناهُ له. أو عدم القناعة والجشع لامتلاك المزيد، والجشع هو بداية الفساد المالي والإداري، وحتى إنْ وصل إلى هدفه من خلال العمل الفاسد، فإنَّه لن يتوقف، خاصة في دُولنا مع قانون عدم الإشهار والاحتكار. أما الضمير، فيكون ميتاً لديهم، خاصةً حين وصولهم إلى مرحلةٍ إتقان الفساد.

- سيسترشدُ طريقاً أسهل لنيل المال "بلا دراسة بلا بطيخ، وتعب وسهر"؛ فإذا كان المُبتغى الأساسي من الدراسة هو المال للعيش الرغيد والرفاهية، فإنَّ المال يأتي بطرقٍ كثيرة أسهل من هذا الطريق الوَعِر. مِثل تِجارة الممنوعات، والدعارة، وأي عمل آخر منافٍ للأخلاق كأسوأ الاحتمالات! وأبسط الاحتمالات أنْ يكون من مشاهير السوشيال ميديا وَيَتَرَزَّق من الإعلانات باستخدام شهادة الشُّهرة التي لا نعلم كيفَ ومِما ستأتي؟! وكما قالت إحداهُن: لماذا أدرس 12 سنة مدرسية ثم 4 إلى 5 سنوات جامعية وفي النهاية أحصل على وظيفة "بمرتب يا دوب يعيشني"! الأفضل أنْ أصير "فاشينيستا" وبعدد نفس السنوات التي أنتهي فيها من الدراسة أكون قد كوَّنت ثروة بدون تعب وباستمتاع. وطبعاً، الفتاة التي تحسب أهدافها بتقادير زمنية مرتبة بهذه الدقة هي فتاة ذكية جدًّا، لكنها غير متنورة بالعلم. ولا يجب أن نغضَّ البصر عن حقيقة أن الشهرة الفائقة بتلك الطريقة لا تأتي للمرأة إذا لم يكن فيها جدلٌ أخلاقي وديني. ويكونُ البلاء الأعظم حين يتم خلط الحابل بالنابل، ولا يُفَرِّقُ بَين ناشطٍ اجتماعي، ومُروج إلكتروني! والمُروج أيضاً يدخل في خانتين: مُروج مبيعات، ومروج للمبيعات مع نفســهــ/ـا. وهُنا تبدأ الدعارة المستترة مثل التجارة المستترة.

- الوقوع في براثِن تبييض الأموال بفتح مشاريع صغيرة، ومتوسطة، وكبيرة كتغطية على تبييض أموال لتُجار ومؤسسات عالمية معروفة أو غير معروفة، يبحثون عن مثل هذه العقليات التي تفعل أي شيء للحصول على المال حتى تعيش برفاهية.

واتِّقاءً لكل ذلك وأكثر، من باب العقل والحكمة، أنْ نَكون واقعيين مع أبنائنا فيما يختص بالدراسة العلمية والأكاديمية بأنها من الأساسيات التربوية لمواكبة العِلم الدولي، وتخلف الأفراد عنه سيخلق تخلفاً للوطن! ولأجل النهوض بالنفس والوطن، عليهم متابعة تعليمهم دون توقف لمن لديه استطاعة مادية وعقلية، فالعلم نور. وبخصوص العمل، علينا تثقيفهم بأن مشوار الألف ميل يبدأ بخطوة، والمالُ الحَلال تأتي معه السكينة والاستقرار الروحي.

ومَعَ توثيق أنَّ الدراسة الأكاديمية مواكبة للعصر، إلا أنَّها لا تُغني عن الثقافة العامة، وكلاهما لا يُغني عن الأخلاق. وإن كان عليهم التمسك بشيء في هذه الحياة، فعليهم التَمَسُّك بأخلاقهم، وعزة نفسهم، وكرامتهم، وحيائهم، وقبل ذلك كله إيمانهم بالله الواحد الأحد، خالق الكونِ بِما فيه، وبيدهِ الملكوت والتقادير، وخزائنه لا تنفد أبدا.

ولو كان العِلمُ مُفتاحاً للمال لرفض أهل المال التعلم!

وعَلى هامِش المقال، أوجِّه رسالتي لوزارة التعليم العالي بالتدخل السريع والضروري لتخفيض الرسوم الدراسية الأكاديمية لِلمواطنين الدارسين على حسابهم في السلطنة، فإننا أصبحنا من أغلى الدول للدراسة الأكاديمية! وهذا الغلاء سَيُخَلِّفُ تَشويهاً عِلميًّا للمستقبل. والعلمُ مادةٌ للاستثمار الوطني في المواطنين، وليس للاتجار المالي!