هل أنا سائق جيد؟!

 

يوسف عوض العازمي

alzmi1969@

 

"في الماضي كانت تُمارس علينا سياسات التجهيل، الآن نمارس على أنفسنا سياسة تصديق كل الخداع الإعلامي.. النتيجة واحدة !". جلال الخوالدة

 

قبل أيام كنت أقود سيارتي على الطريق، وكانت السيارة التي أمامي شاحنة صغيرة لاحظت كتابة عليها في الجزء الخلفي من السيارة: هل أنا سائق جيد؟ ويوجد رقم هاتفي أسفل هذا السؤال! طوال الطريق كنت أتفكر في فلسفة ورؤية صاحب فكرة السؤال، هل كان يتصور مثلاً أن أحدًا سيتصل عليه ويجيبه عمَّا إذا كان هذا السائق المغلوب على أمره جيداً أم لا، وأتفكر أكثر وأتساءل: هل يمكن أن يبتزه أحدهم حول جودة قيادته للسيارة أم لا؟ أو يمرر له صديق ويتصل ويمتدح قيادة السائق وبأنه ربما أفضل قائد سيارة، وقد يصل الحال لشاعر ظريف ويكتب قصيدة عصماء عن هذا السائق، أو يأتي كاتب متطفل ويكتب عن هذا السائق المسكين مقالاً (هل أقصد نفسي؟).

تخيل لو عممنا نفس المفهوم على أمور أخرى، يأتي مدرس ويكتب على السبورة: هل أنا مدرس جيد، وبائع عصير يكتب ذات العبارة، وحتى الكاتب الصحفي يكتب العبارة، ما الذي سيحدث؟ وتصور لو وجدت من كتب أيضاً:  هل أنا أب جيد؟ ولمن يوجه السؤال وخيارات الأجوبة؟! وتخيل أن الكاتب الصحفي أسفل المقال يضع هذه العبارة: هل أنا كاتب جيد؟ ترى ما الذي سيحدث؟

لو تدرجت قليلاً ووضعت احتمالات حول المعنى العام لهذا السؤال وكمثال هل يُمكن ربط السؤال بأزمة الثقة وأيضاً الوصاية الخارجية، سآتي إليك بهدوء وأفصلها باختصار فإن افترضنا أن هذا السائق بالطريق وارتكب مخالفة أو غضب عليه أحد مستخدمي الطريق لسبب أو آخر فمن الذي سيُحاسبه شرطي المرور أم مستخدم الطريق الموجه له السؤال عن مدى جودة السواقة؟

هل يفترض من كتب هذه العبارة أنَّ هناك وصاية خارجية غير شرطة المرور على قياس جودة أوعدم جودة قيادة السيارة؟

ألا ترى معي أنها عبارة مطاطة وكتبت بفلسفة زائدة لأجل هدف غير واضح والأقرب أنه اجتهاد ليس بمحله، لأنه ببساطة غير واقعي، فإن كان السائق جيدا سيصل هدفه الذي قاد السيارة من أجله، وإن كان غير جيد فدوريات المرور ستقوم بالواجب وأكثر!

أحياناً أشعر أنَّ الفلسفة الزائدة هي على غير وعي؛ بل إني أزيد وأقول إنها تتعدى القانون، من أنت حتى تكتب هذه العبارة؟

هذه مُهمة رجل المرور الذي لا ينتظر منك أن تكتب العبارة أو لا تكتبها، ثم هناك أمر مهم وخطير أيضًا هل من كتب العبارة استخرج ترخيصا لها، على اعتبار وجوب ترخيص كل ما يكتب على المركبة، فالدنيا ليست فوضى!

من الأمور الطريفة التي أراها غالباً هو مايكتبه أصحاب الشاحنات الكبيرة على سياراتهم، فأحدهم يكتب: "على كف القدر نمشي ولا ندري وش المكتوب"، والآخر يكتب: "دخيلك يالله"، وغيره يكتب أبياتاً شعرية، تشعر كأن المكتوب رسائل معينة للمارة أوتعبير عن شعور معين، أو هاجس في الخاطر وبالطبع لا تسأل عن انتباه رجل المرور لهذه الشعارات!

الأكيد أنَّ الرقابة الذاتية والأمانة في أداء الواجب أياً كان سواء عبر قيادة سيارة أوطائرة يرتبط بالنتيجة النهائية ألا وهي هل وصلت السيارة إلى مشوارها بسلام وبلا تعدٍ على القوانين وبلا تأثير سلبي على مستخدمي الطريق، وغير ذلك من الافتراضات المحتملة، وتخيل لما ترى سيارة أمامك على الطريق مكتوب عليها: هل أنا سائق جيد، وبنفس الوقت يخرج من عوادمها انبعاثات وأدخنة ضارة بالبيئة وبالطريق!

أحياناً يشعر المرء أن الأمور كما أسماها أحدهم باللهجة المصرية المحببة: "خلطبيطة"!

فمن تعدى دوره المسموح لا يأمن على سلامته من المخالفات، والأكيد أيضاً أن المقال برمته سياسي وليس عن سيارة تسير على الطريق يقودها آسيوي ويكتب عليها: هل أنا سائق جيد، بل المقال شامل أمور كثيرة أتركها لذكاء وتقدير القارئ!