من يحمي مجتمعنا من المستهترين؟!

 

جابر حسين العماني

Jaber.alomani14@gmail.com

 

وردني اتصال مُفاجئ من أحد الأصدقاء في ليلة من ليالي الشتاء الباردة، طالباً مني مُمارسة رياضة المشي برفقته على شاطئ البحر الجميل، في ذلك المجتمع الذي كنت أزوره بين فترة وأخرى لإلقاء المحاضرات الاجتماعية والتربوية، ولأني من عشاق الرياضة على رمال البحر بادرته بالموافقة، فتوكلنا على الله سبحانه وتعالى.

 بينما نحن نسير على رمال البحر الناعمة، مستمعين لأصوات أمواجه المُتناغمة، مستأنسين بهدوء الليل وجمال نور القمر، مهتمين بالحوار الشيق حول أوضاع البلاد والعباد، رأينا من بعيد شعلة صغيرة من النار المتوهجة، مما أثار تعجبنا وفضولنا، فقررنا التعرف عليها وعلى مصدرها عن قرب، واصلنا المسير، وبينما نحن نقترب من شعلة النَّار المضيئة على شاطئ البحر عند المكان الذي لا يراه إلا الله وأنا ورفيقي. سمعنا أصواتاً بشرية تتحدث بأسلوب مائع غريب، واصلنا مسيرنا إلى الهدف، اتضحت لنا الرؤية بشكل دقيق، رأينا شباب غارقين في سيل من الموبقات والمحرمات، منهم من افترش الرمال لكثرة تناوله للكحول، ومنهم من جلس وهو في حال غريب، هذا يُغني وذاك يرقص على أنغام الفساد، كل واحد منهم يعيش حالة غريبة يرثى لها.

ومن باب الفضول وحب المعرفة والاطلاع قررنا الاقتراب من شعلة النار الموقدة التي أوقدوها لغيهم وفسادهم لنعرف من هم هؤلاء؟، ولماذا تواجدوا هنا في وقت مُتأخر من الليل؟

اقتربنا من النار الموقدة، وإذا نصعق بالمفاجأة!! زجاجات من الخمر، علب من السجائر، نار حولها شباب سكارى لا يفقهون ما يقولون، أصغرهم لا يتجاوز عمره العشرين عامًا.

ما أود التطرق له هنا هو: لماذا وصل بعض شبابنا إلى هذا المشهد؟ ومن الذي وجه هؤلاء الشباب لتناول الخمور؟ ومن أين لهم المال لشراء تلك المشروبات المحرمة؟ وأين دور الأسرة من الآباء والأمهات والمربين في المجتمع تجاه ما يحصل في كثير من مجتمعاتنا العربية والإسلامية لشباب الأمة؟

أترك لك أيها القارئ الكريم حرية البحث عن إجابة لكل هذه التساؤلات.

حتماً لا يخفى على أحد ما للتربية الصالحة في داخل نطاق الأسرة والمجتمع من دور هام وفاعل في بناء شخصية الإنسان وتوجيه أفكاره ومشاعره إلى النمو والتكامل في المجتمع، حتى يكون الإنسان في مجتمعه ووطنه مواطناً صالحاً فاعلاً يستفيد منه الجميع، لذا ينبغي على الوالدين بالدرجة الأولى توجيه أبنائهم إلى ما هو خير وصلاح لهم حتى لا يضلوا طريقهم في هذه الحياة التي امتلأت بالذئاب البشرية وكثرة الموبقات والمحرمات.

ينبغي على الأسرة والمجتمع تفعيل دور الرقابة الأبوية للأبناء، وتوعيتهم وتثقيفهم وتعليمهم، حتى تكون نشأتهم قائمة على الكفاءة والثقافة والعلم والأخلاق واحترام القيم والمبادئ الإسلامية والاجتماعية، وإن أي تقصير أو تفريط في ذلك حتماً سيؤدي إلى الانحلال الأخلاقي والديني في داخل الأسرة والمجتمع، مما سيجعل الشباب يمارسون الكثير من الجرائم والرذائل عند ابتعادهم عن الوالدين والمربين والصلحاء في الأسرة والمجتمع.

هنا لا بُد من التطرق إلى بعض النقاط حول تفعيل مسؤولية الرقابة الأسرية والمجتمعية حتى يكون الهدف الأسمى هو تطهير الأسرة والمجتمع من الكثير من العادات السيئة التي قد تقود أبنائنا إلى الفساد والضلال والإضلال لا سمح الله تعالى:

•    أولاً: تفعيل الرقابة المستمرة من قبل الأسرة نفسها تجاه الأبناء، وذلك من خلال الآباء والأمهات الذين لابد من تفعيل أدوارهم التربوية في الداخل الأسري، بالقيام بتقديم النصح والإرشاد للأبناء ومراقبتهم أين ذهبوا، ومن أين عادوا، ومن جالسوا وصاحبوا، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤول عَنْ رَعِيَّتِهِ".

•    ثانيا: الرقابة من خلال المجتمع، فعلى أفراد المجتمع السعي الدائم للتبليغ عن الحالات المُسيئة التي تتسبب في أذية الوطن والمواطنين، وذلك من خلال التواصل مع رجال الأمن لحفظ أمن ومصالح الناس أينما كانوا، وتشجيع أبناء المجتمع على حضور الفعاليات الثقافية والعلمية التي تسعى إلى ملء الفراغ القاتل لدى الشباب، وملء أوقات الشباب بما ينفعهم في أمر دنياهم وآخرتهم.

•    ثالثاً: الرقابة المشددة من قبل الدولة، فالدولة تتحمل المسؤولية الكبيرة في حفظ الأمن والأمان بين الناس، وذلك لا يكون إلا من خلال الرقابة المستمرة على الأماكن المشكوك بها، والتي يتواجد فيها ذئاب البشر الذين يسعون لنشر الرذيلة بين أفراد المجتمع الواحد، وتفعيل المخالفات والعقوبات تجاه المخالفين بهدف ردعهم وإرجاعهم إلى رشدهم، فتحقيق الأمن والأمان بين المواطنين من واجبات وأساسيات الدولة الناجحة لذا من الواجب الشرعي والوطني على الدولة مضاعفة العمل الجاد في تطهير الوطن من الفساد وأهله وتعزيز الاستقرار والاطمئنان بين أرجاء الوطن العزيز.

وكما إن من واجب الدولة مُراقبة أوضاع الناس ونشر الأمن والاستقرار فمن واجباتها أيضاً احتواء الناس وتوفير الأجواء المناسبة لهم، كتوفير فرص العمل المناسبة للشباب وإنهاء البطالة المقيتة التي قد تؤدي إلى الكثير من المشاكل المؤلمة والموجعة للوطن والمواطن.

الأكثر قراءة