حمود الحاتمي
تداولت قرية في المدينة أنَّ أحد شبابها الطموحين يدعى قيس بن يوسف، دخل السجن اليوم بسبب تراكم الديون عليه بعد خسارة مشروعه القائم عليه، ويجري رشيد الحارة مشاورات مع الأهالي لأجل مساعدته.
قيس بن يوسف شاب طموح قد تخرَّج في إحدى الكليات منذ عشر سنوات وبعد تخرجه بدأ البحث عن وظيفة وقد أرشده بعض أصحابه إلى فتح ورشة نجارة. سمع قيس بنصيحة من حوله وقام بفتح ورشة من محلين وجلب لها المعدات البسيطة وعاملين آسيويين لمساعدته وبدأ العمل وقد لاقت نجاحاً واسعاً وبدأ سيطه يظهر والزبائن معجبون بتصميمه للأثاث والأبواب الخشبية وكذلك الديكورات الخشبية الجميلة.
وبدأ الزبائن في الإقبال على ورشته مما دعاه بعد خمس سنوات إلى التفكير في ورشة كبرى، ثم ذهب إلى أحد المكاتب المتخصصة في دراسة الجدوى وتم احتساب التكاليف من استئجار أرض بمساحة كبرى والمعدات الجديدة التي ستجلب من الخارج والتصاريح والرسوم الحكومية وغيرها. تم احتساب المشروع بتكلفة تقارب 200 ألف ريال عُماني، بينما المبلغ المتوفر لديه 80 ألفاً، ويحتاج لتمويل بنكي في حدود 120 ألف ريال.
وذهب إلى أحد البنوك العاملة الذي وافق على القرض دون تردد بعد تقديم الضمانات اللازمة للمشروع.
بدأ قيس العمل في ورشته الجديدة بافتتاح رسمي من القائمين على غرفة تجارة وصناعة عُمان في الولاية وعدد من المدعوين، بداية قوية كانت وطلبات من خارج الولاية وإعلانات جذبت الزبائن بأسلوب المذيع محمد المخيني.
قيس بدا سعيدًا بما حققه ويُفكر في فتح ورش أخرى، بعد أن تلقى دورات في إدارة المشاريع عن بعد، وقام بهيكلة إدارية وجلب بعض الشباب في الإدارة لمساعدته.
فيما أطلت سنة 2020 ومعها جائحة كورونا وقد كان نصيب قيس توقف ورشته عن العمل، وبعد سبعة أشهر بدأ المطالبون من بنوك وموردين وملاك الأراضي بمطالبته وهَو يقف مشدوهاً عاجزاً عن الوفاء بالتزامانه، يتهرب من مواجهتهم، ولسان حاله يقول أليس هؤلاء بشر مثلنا ويعرفون مُعاناة الشباب أثناء الجائحة؟!
مدير البنك يتصل بمكتب المُحاماة لتحريك قضية، والموردون يتسابقون للمحاكم لتقديم إثبات دعواهم، وقيس يقف عاجزًا عن جدولة ديونه، وحتى الدفاع عن نفسه ويصدر القاضي حكمه بسجن قيس.
ليسري نبأ "قيس بن يوسف مسجون"، ويتلقى أهالي القرية الخبر بكل حسرة ويتذكرون مواقفه نحو قريتهم؛ فهو من قام بتزويد المسجد والمجلس بكل ما يحتاجانه من أعمال خشبية، فضلاً عن دعمه السخي بالمال، ومساعدة أهل القرية من الفقراء منهم بترميم منازلهم.
الشيخ خلف بن منصور دعا أهل القرية وعقد اجتماعاً معهم وذكرهم بمواقف قيس النبيلة، وكانت هذه سجية المشايخ والرشداء في كل قرية يقفون مع أبناء أهل القرية وهي عادة عُمانية تظهر أهمية الرشيد والشيخ وقت المحن؛ فهو من يلجأ إليه النَّاس وليس كما تصوره بعض الكتابات والشائعات "ضراب صينية".
اتفق الشيخ خلف بن منصور مع أهل القرية على إنشاء صندوق تكافلي دائم؛ يُساهم فيه أهل القرية لدعم هكذا حالات، وتقدم لدائرة التنمية الاجتماعية بطلب الموافقة على إنشاء الصندوق، وطلب الأهالي استدعاء عضو مجلس الشورى ومناقشته لإيجاد حلول مع الجهات المعنية؛ فكثير من الشباب يعانون من تعثر بسبب الجائحة. ومن بين الحلول: تأجيل أحكام السجن وبحث حلول أخرى، وتأجيل الأقساط، وأن تقوم الجهات المعنية بدراسة المشاريع المتعثرة وإمكانية دعمها، وإيقاف الدعاوى القضائية ضد الشباب المتعثرة مشاريعهم وتشكيل لجان دعم ومساندة لهم.
يجب أن تعي الحكومة أنها هي من شجعتهم على العمل الحُر وقدمت لهم البرامج وفرص التدريب التي تُعينهم على إدارة مشاريعهم لكن الظروف التي خلفتها جائحة كورونا أكبر من أن تتحملها دول وشركات عالمية، فما بالكم بمؤسسات ناشئة ساهمت في تشغيل قوى وطنية، وتسد حاجة أسر وتحرك الاقتصاد العُماني فتدير الحكومة ظهرها نحوهم اليوم، لتجعلهم يواجهون السجون أمامهم والتسريح من خلفهم فضلاً عن الظواهر الاجتماعية كارتفاع حالات الطلاق بسبب عجزالشباب عن تلبية مطالب الأسر.
الحكومة اليوم عليها أن تساعد بشتى السبل هذه المؤسسات لكي تعود عجلة الإنتاج فيها إلى الدوران من جديد، من خلال استحداث تشريعات وقوانين تحمي هؤلاء الشباب وتأخذ بأيديهم وتُبعدهم عن غيابات السجن.