الصيرفة الإسلامية في السلطنة.. آفاق النمو والتطور

مسلم سعيد مسلم مسن

انطلقت عمليات الصيرفة الإسلامية بالسلطنة فعلياً في عام 2013 عبر منتجات البنوك الإسلامية ونوافذ للبنوك التقليدية، وبدأ التحضير لإطلاقها تشريعياً وتنفيذياً في الفترة من (2011- 2012) وربما حتى قبل هذا الموعد من حيث الدراسات التي عملت في هذا الشأن.

التجربة مرَّ عليها أكثر من 7 سنوات، وهي تجربة ما زالت في البدايات وقابلة للتطوير والنمو، رغم ظروف الاقتصاد الكلي وتزامن بدايات هذه التجربة مع أزمات اقتصادية منذ منتصف 2014 أثرت على عاملي الاستهلاك والاستثمار بشكل أو آخر وهو ما قد يكون له علاقة واضحة بتقليل زخم عمليات التمويل وعدم اليقين. لا نُريد أن نطيل كثيراً في استعراض المؤشرات الخاصة بالصيرفة الإسلامية في السلطنة ومدى قدرتها على الحصول على نصيب مناسب من أصول وموجودات القطاع المصرفي الكلية والحصة السوقية ونسب النمو السنوية والتمويل الممنوح ومجمل الودائع، فقد تطرقت لذلك التقارير السنوية والفصلية والدراسات الصادرة من البنك المركزي العُماني.. بيد أنَّه من المهم أن نذكر أنَّ هذا القطاع الواعد- بحكم السنوات السبع للتشغيل فقط- قد وصلت تقديرات موجوداته إلى حوالي 5.19 مليار ريال عُماني حتى ديسمبر 2020 مقابل 31.1 مليار ريال عماني للبنوك التقليدية، وذلك في أحدث تقرير شهري للبنك المركزي- النشرة الشهرية الإحصائية ديسمبـر 2020 العدد 12؛ أي أنها تشكل تقريباً 14% من الإجمالي في هذه الحالة وهي نسبة لا بأس بها تحققت في غضون سبع سنوات كما أسلفنا.

وعندما نتقصَّى في نفس النشرة عن وجهة التمويل لهذا النوع من البنوك والنوافذ العاملة في هذا الشأن نجد أن أكثر من 4 مليارات ريال عماني تذهب للقطاع الخاص وحوالي 201 مليون ريال عماني لمؤسسات عامة، وحتماً أن المنتجات ذات الصيغة المتوافقة مع الشريعة الإسلامية الموجهة للأفراد تدخل ضمن الأربعة مليارات الخاصة بالقطاع الخاص رغم أهمية تفصيل التصنيف الإحصائي للمؤشرات في هذه الحالة. وبالنسبة للودائع تشير الأرقام لذات المصدر بأنها تبلغ حوالي 3.78 مليار ريال عُماني، هيكلتها تميل لصالح القطاع الخاص بنسبة تزيد عن 62% ونسبة 32.5% للوزارات والهيئات الحكومية ونسبة ضئيلة للمؤسسات العامة بنسبة 5% تقريبا.

وعلى صعيد الربحية، لا تزال الأرقام المُحدثة غير واضحة رغم أنَّ تلك البنوك حققت أكثر من 34 مليون ريال عُماني في عام 2018؛ وهي ما تزال أرقام متواضعة مقارنة بالمنطقة وربحية القطاع التقليدي ولكنها متماشية مع حجم القطاع. ومن أجل مزيد من آفاق النمو والتطوير لقطاع الصيرفة الإسلامية بالسلطنة، هناك عدة مجالات من المناسب التطرق لها خلال المرحلة القادمة والتفكير في تعزيزها من خلال الدراسات والنقاشات بين جميع أطراف العلاقة والمصلحة بهذا القطاع، يمكن تلخيصها وفق الترتيب التالي:

  • الإطار القانوني والتنظيمي للصيرفة الإسلامية: من المعلوم بأنَّ الباب السادس من القانون المصرفي يحدد عمليات التنظيم والإشراف على الخدمات المصرفية الإسلامية بالسلطنة، يوجد كذلك إطار تنظيمي ورقابي متكامل أصدره البنك المركزي في 18 ديسمبر 2012 يغطي جميع المتطلبات التنظيمية لعمل المصارف الإسلامية سواء من خلال إنشاء مصارف مكرسة بشكل كامل لهذا الغرض أو نوافذ تقدم منتجات تمويلية متوافقة الشريعة الإسلامية داخل المصارف التقليدية. وهنا يبقى التساؤل قائماً حول مسار التجربة على المدى المتوسط والبعيد والقائم على السماح في آن واحد لبنوك مستقلة ونوافذ من بنوك تقليدية، هل الاستمرار في هذه الصيغة القانونية والتنظيمية مفيد للتجربة أم أنَّ تغيير النموذج قد يحفز النمو والفاعلية في هذا القطاع- كأن يتم الذهاب إلى كيانات مستقلة وليست نوافذ مثلا؟! يمكن أن يكون تقييم ذلك المسار موضع دراسات ونقاشات ومدولات بين جميع الأطراف للخروج بما هو مناسب، مع التأكيد بأن أي نموذج جديد لن يعمل إلا إذا وفرت له بيئة وسياسات ومعايير تخدم نجاحه.
  • هيكل الصناعة المصرفية المتوافقة مع الشريعة الإسلامية: عند الرجوع إلى الإحصائيات العامة للصناعة المصرفية الإسلامية عالمياً نجد أنها تتكون من بنوك إسلامية ومؤسسات تكافل وأسواق المال الإسلامية (غالباً الصكوك السيادية) وصناديق الاستثمار الإسلامية. تشكِّل البنوك الإسلامية القاعدة الرئيسية لهذه الصناعة وبنسبة تصل إلى 73% من إجمالي أصولها- أي أصول الصناعة المصرفية الإسلامية- في 2019 (مجلس الخدمات المالية الإسلامية، 2020). على ضوء ذلك، لازالت تتركز مساهمة هذه الصناعة من خلال منتجات البنوك الإسلامية لتلبية متطليات النشاط الاستهلاكي والاستثماري والاقتصادي للأفراد والقطاع الخاص والمؤسسات العامة- في حدود ضيقة-. هذه الهيكلة تنطبق على السلطنة ودول الخليج مع فارق وعمق التجربة لبعض الدول الخليجية ولبنوك محددة مثل: بيت التمويل الكويتي (الكويت)، بنك دبي الإسلامي (الإمارات)، بنك الراجحي (السعودية)، بنك البركة (البحرين) وغيرها. إن المستقبل يحتم كما هو واضح تطوير مؤسسات التكافل وأدوات أسواق وصناديق الاستثمار في هذا المجال لأنه من الضروري أن تأخذ دورها جنباً إلى جنب مع نمو البنوك من منطلق توفير خيارات أوسع للاقتصاد والأفراد لهذه الصناعة العالمية بكل المقاييس.
  •   المنتجات والصيغ المتوافقة مع الشريعة الإسلامية: العديد من الأدوات والمنتجات المتوافقة مع الشريعة الإسلامية لم يتم تفعيلها بصورة تخدم التجربة، فمن الملاحظ أنَّ صيغة المرابحة بمختلف أشكالها تتصدر مشهد التمويل الإسلامي في السلطنة، وقد يعتبر البعض عقود المرابحة أقرب إلى أدوات دين، وتبتعد عن عقود المشاركة والاستثمار بأنواعها التي قد تخدم الغرض الرئيسي من التمويل المتوافق مع الشريعة الإسلامية وتجسده بشكل أكبر وتربطه بمتطلبات التنمية. وهنا الدور على الهيئات الشرعية في تطوير عقود المشاركة والاستثمار والمضاربة لتسهم في تنويع مصادر السيولة والعوائد مع توفير خيارات أكثر للبنوك والمتعاملين على حدٍ سواء.
  • التمويل الأخضر والبنية الأساسية والمؤسسات الصغرى والمتوسطة: إن انتباه القائمين على الصيرفة الإسلامية لابد وأن يبدأ من الآن بغية الذهاب لآفاق أرحب من خلال المشاركة في تمويل النشاط الاقتصادي والاستثماري على مستوى الاقتصاد، فمن الممكن أن يقوم التمويل الإسلامي بدور في تمويل المشروعات ذات الاستدامة البيئية (التمويل الأخضر) ومشروعات البنية الأساسية والمشروعات الاستراتيجية والتمويل الخاص المقدم للمؤسسات الصغرى والمتوسطة بطرق ومنتجات ابتكارية تسهم في نمو هذا القطاع الذي يعد عصب الاقتصاد في العديد من الدول. هذا التوجه- بالطبع- يحتاج إلى قناعة حكومية وتعاون من رواد القطاع وخطط ومبادرات تطويرية من صانعي السياسات والمستثمرين معًا في هذا المجال ولا نحتاج أن ننتظر موجات من الانتعاش الاقتصادي لتطبيق مثل هذه السياسات والتوجهات.

سواء اتفقنا أو اختلفنا على الوقت المناسب لتقييم تجربة قطاع الصيرفة الإسلامية بالسلطنة وأهمية تقييمه من الآن أو لاحقاً، فإنِّه- بلا أدنى شك- من المهم التفكير جدياً في تعزيز وتجديد دور هذا القطاع من خلال ما سيقام من دراسات ونقاشات ومداولات مفيدة ومنتظرة بين جميع أطراف العلاقة والمصلحة وبما ينسجم مع السياسات الاقتصادية العامة ويتوافق مع أهدافها.