حين كنت أفضل ما أكون

الطليعة الشحرية (حالوت أليخاندرو)

"تعمر بك رحيت"*.. ارتفعتْ ضحكات سيلفانا عنتر، ثم قفزت بزهوٍ بعد أن اختفى الحزام الناسف أي (الكرشة)، وأخذت تمد ذراعيها ومن ثم تضمهما بسرور عظيم، ثم وقفت على أطراف أصابع قدميها، وأشرقت شفتيها بابتسامة واسعة، إنها رشيقة وتنافس عود الثقاب في الخفة والنحافة وفي الثقل أصبحت ريشة. أمعنت سيلفانا عنتر النظر في المرآة الكبيرة، التي استحوذت على نصف مساحة الحائط، أمالت رأسها يميناً ويساراً ثم نظرت إلى مرآة أخرى تستند إلى قاعدة خشبية، وانطلقت ضحكتها الرنانة بصخب فَرِح وقالت: "إيش رأيك أغير اسمي إلى لوسي؟".

تطلبت رشاقةُ سيلفانا، أقصد لوسي، مشوارا مُضنيا والتمدد على سريرٍ أبيض، ولا ننسى المشرط والشاش والمُعقم وأصابع الطبيب المحترفة، هي عملية قص معدة واِنتهينا. أرادت سيلفانا عنتر أن تكون أفضل مما كانت عليه. فالوزن الزائد، والذي كافحت سنين للتخلص منه برحلات متكررة إلى طبيب الأسنان وعمل التقويم لأسنانها، وذلك بعدما أخبرتها إحدهن بأن تقويم الأسنان يسهم في إنقاص الوزن.

 كيف يراني الآخرون؟ كان هاجس سيلفانا، والذي أفرز شغفَ اقتناء الكثير من أنواع المرايا المختلفة؛ فمنها المتوسط والمكبرة والكبيرة والضخمة. كان الوقف أمام المرآة وإطاله النظر من أهم الطقوس اليومية لديها، لقد رأى شخص ما حزامها الناسف -كما أطلق عليه يومها- ورأى مسامات وجهها والحبوب النافرة، هو بالتأكيد شخص ما ومهمٌ بشكل ما.

فتوجَّب على سيلفانا التغيير، لكي يراها الآخرون باِنبهار يَسلْب اللبّ، ولكي لا يفوتها ركب الجمال الصناعي الحديث، فتُطوى صفحتها في عالم النسيان.

وحين كُنت أنا أفضل ما أكون، كان اِسميّ حالوت، وحين أردت أن أكون مثل ما يراه الآخرون تمنيت أن يكون اسمي سحر. تمنيت أنفاً أشَمَّ وخَدًّا مصقولاً مرتفعا، وحشوات سيليكون للفكين، ولا نغفل الفيلر والبوتكس، والأهم الغمازات "فسر الغمازات باتع".

نظرت إلى المرآة الكبيرة، وأمسكت قلماً، وبدأت أقيم هيئتي، هل أحتاج فعلاً إلى كشط ونحت وأصابع طبيبٍ ماهر، وحقنة وشاش ومعقم، وقلم يخط به الطبيب وجهي، برسوم توضيحية لِما يتوجب عليّ تعديله وإزالته، ليتسنَّى لي أن أقف في طابور المنافسة وأُمنَح وسام "جميلة". شك رأس القلم سبابتي وظهرت قطرة أرجوانية تحدق بي مُتسائلة ما حاجتي إلى وسام شرف جميلة؟ فالحياة برمتها لم تعد كما كانت جميلة.

وحين أُمسك جهاز التحكم وأُقلب قنوات التلفاز واتصفح مواقع التواصل، أجد أن الجميع منسوخٌ ومكرر، وكأن أحدهم أحضر آلة تصوير ضخمة، ووضع بها أنموذجا بشريا مجهولا، ومتفقا عليه، وكبس على زر "انسخ"، لتخرج أربعين ألف نسخةٍ لنموذج واحد. فيقوم بعد ذلك بجمع النسخ وختم كل نسخة اسم (كيوت) بأسلوبٍ مُبتكرٍ وراقٍ، فينسخ اسم وطفة ويتحول إلى همسة. وبفرض أن حُبس الأصل ومعه عشرون نسخةٍ منه في زنانة واحدة، فمن هو الحقيقي ومن هو المزيف؟

وإذا مر الزمن -وهو حتماً سيمر- هل ستخط الخطوط والتجاعيد ذاتها على صفحات الأصل والنُسخ؟ وما شعورك وأنت تجادل نسخة منك؟ وهل فلذات أكبادك سيتحولون إلى نسخٍ أخرى من غيرهم مستقبلاً؟

فُتح باب الغرفة بقوة، ودخلت لوسي أبعدتني عن الحائط والمرايا، وبعثرت أفكاري المجنونة وعادت تتأمل عجائب المشرط وصنائع أصابع الطبيب السحرية وقالت بغبطة: "أحالوت أحس لازم أشتري أطقُم ملابس جديدة وأطلب كعب من لوبوتان".

أمسكت سيلفانا غطاء الرأس "الشيلة" والمعروف محليًّا باسم "الوسي"، وألقته أرضاً، وخرجت سيلفانا عنتر السابقة ولوسي الحالية  بدون "الوسي". وأغلقت الباب خلفها بقوة عنيفة فوقعت المرآة المكبرة من على المنضدة وتهشمت على الرخام الأبيض.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* "تعمر بك رحيت".. أي: هل أصبحت جميلة؟

وذلك حسب ما ورد في قاموس حالوت أليخاندرو، المجلد 70/ص:30.