فكوا قيود البريمي

 

سالم بن نجيم البادي

 

يسألني بائع الأعلاف الحيوانية في البريمي وهو يهم بتحميل "جواني" السبوس والشعير والعلف في سيارتي: (حكومة متى يشيل هذا مراكز مال حدود؟) وأرد عليه: (ما في معلوم).

لم يُفاجئني السؤال فقد سمعته كثيراً من قبل.. حالة شاذة وغريبة أن تفصل محافظة داخل الوطن عن بقية المحافظات بمراكز حدودية تحيط بها إحاطة السوار بالمعصم؛ وكأنَّه لا تكفيها مراكز الحدود والشبك العالي من ناحية الأهل والجيران في دولة الإمارات العربية المتحدة.

عشت في مدينة العين منذ الصف الأول الابتدائي وحتى أنهيت دراستي في جامعة الإمارات وكانت البريمي- معق حصاة- ونذهب إليها مشياً على الأقدام لم نكن نعرف الحدود ولا المراكز الحدودية، مركز واحد فقط هو مركز القابل الواقع قريباً من جبل حفيت المقسوم شطرين شطر للإمارات والشطر الآخر لعُمان، ولم يكن المرور عليه إجبارياً، ويمكن الدخول والخروج من العين إلى البريمي، وكذلك الدخول والخروج من البريمي إلى العين من أماكن أخرى خالية من المراكز.. نعذر دولة الإمارات ذلك شأنها تفعل في حدودها ما تشاء، ولكن ما ذنبنا نحن؟

يُثير الحديث عن البريمي شجناً دفيناً في نفسي وعشقاً للبريمي تمكن من شغاف القلب، وكلما غلبتني الأحزان وضاقت عليَّ الأرض بما رحبت، يممت وجهي صوب البريمي. ولعلَّ حبها انغرس في ذاتي منذ عهد جدي وهو يتردد عليها يحمل على ظهر بعيره الهمبا والليمون والأترنج والسفرجل إضافة إلى عكةٍ فيها عسل جبلي وأخرى فيها سمن بقر بلدي، وقد يسوق أمامه قطيعاً من التيوس الفتية لبيعها في البريمي، أو حاشياً صغيرا زهد في تربيته ويرغب في بيعه أو عكمة حطب السمر، وإذا وصل إلى البريمي زار أصدقاءه في حارة الفضة، وربما مكث أياماً في حارة الشندغة، أو حارة السلم، أو حارة القرامطة، حتى ينتهي من بيع كل بضاعته، ويشتري العلف لبعيره من ضواحي حماسة والبريمي، وهو يتردد على أفلاج الصعراني والبريمي يغتسل ويسقي بعيره، ويصلي في مسجد سلمى أو مسجد السوق، ثم يقفل عائدًا وقد حمل على بعيره العيش والطحين ومّنَ قهوة ومّنَ سكر وأشياء أخرى ثم سار أبي على نهج جدي.

يحكي أبي عن ذكرياته قبيل النهضة التي قادها السلطان قابوس بن سعيد- رحمه الله- وفي طريق عودتهم من البريمي تترصد لهم الدوريات بقيادة الضابط في الزروب ووادي حمد وصاع والفياض والمصيدرة. وإذا تمَّ العثور على القافلة تتم معاملتهم وكأنَّهم مهربون وهاربون من دفع الجمرك!! لم تكن لديهم ممنوعات والبضاعة التي يحملونها زهيدة، ومع ذلك يُساقون جبراً ولمسافات طويلة وفي حرارة الشمس الصاهدة أو البرد القارس لمقابلة الضابط ثم يدفعون الجمرك.

هو حب بالوراثة ينتقل عبر الأجيال، غير أني لا أجيد لعبة البيع والشراء كما فعل جدي وأبي من بعده، لكني اتبع هوى قلبي وما أدراك ما الهوى!!

حين اشتعلت جذوة الحب الأولى لفتاة في البريمي جمعتني الصدفة بها وأصبحت أسيراً لحب الفتاة والبريمي معاً، وبقيت وفيًا لهذا الحب حتى بعد أن ضاعت الفتاة في زحام الحياة، ما زلتُ أبحث عنها إلى الآن هنا في البريمي الغالية.

كنت أرغب في الحديث عن الآثار السلبية لوجود المراكز الحدودية على الحركة الاقتصادية في البريمي، لكني تركت ذلك لأهل الاختصاص ومن يملكون الإحصائيات الدقيقة. ويكفي أن تستقبلني لوحة القرية الصينية المُهترئة شاهدًا على إغلاق القرية الصينية وغيرها.

لكن.. آن الأوان أن تفكوا قيود البريمي!