الوطن بين المُحبِطين وحب المخلصين

ناصر بن سلطان العموري

abusultan73@gmail.com

يختلف التعبير عن حب الوطن من شخص لآخر؛ فهناك من له نظرة سوداوية للأمور، يرى كل شيء سيئًا، ولا ينظر للجانب المشرق مهما كان، وهناك من لا يرى سوى الجانب السلبي، وإن كانت هناك زوايا يمكنه النظر عبرها ليرى بصيصَ أمل، والآخر يعمل بالمثل العامي "مزاح وضرب سلاح"؛ أي الضرب من تحت الحزام، كما يُعرف بالمصطلح الإعلامي، فتراه يرمي كلامه من خلال مواقع التواصل الاجتماعي من باب الاستطلاع والرغبة في رصد الرأي العام.

وهناك فئة أكثر منطقية وفاعلية، نجد أن انتقادهم بنَّاء، وإن كان قاسيا وحاميا بعض الأحيان، فهم لا ينتقدون عبثا وزوراً وبهتانا أو من أجل الانتقاد نفسه أو حشوا لملء الصفحات تلو الصفحات، بل تجد ما يكتبون هو من أجل الإصلاح وتبيان الإيجابيات قبل السلبيات، هدفهم شريف وتفكيرهم نظيف وقلوبهم بيضاء تتصف بالصفاء والنقاء، وكل هذا نابع من حبهم للوطن.

ما أودُّ طرحه عبر طيات هذا المقال ما لاحظته من خلال متابعتي لمواقع التواصل الاجتماعي، وما يحمل في طياته ونوافذه المختلفة من تنوع فكري واختلاف في الطرح، ففيه القدح والذم بل ويصل الأمر لدرجة الشتم أحيانا من قبل البعض للأسف من الذين اتخذوا مواقع التواصل وكراً لنفث سمومهم الفكرية المختلفة، ونسوا -بل وتناسوا- أنَّ هناك فئة من المتابعين من الذين لا يميزون بين الغث والسمين، وتراهم ينجرُّون خلف كل ناعق، ويسعون وراء كل خبر قادح وإن كان مفبركا، بل وينشرونه لعامة الناس ممن يصدق كل ما يقرأ وما يسمع دون التأكد من المصادر الرسمية الموثوقة، وما أكثر الأخبار والشائعات التي انتشرت كانتشار النار في الهشيم وهي لا أساس لها من الصحة.

فالقدح في الجهود المخلصة التي تسعى لرفعة هذا الوطن لا ينبغي أن تكون بطريقة السخرية والاستهزاء والتقليل منها، بل من خلال الانتقاد المبني على إحصائيات وأرقام ودلائل ومؤشرات من وحي الواقع المعاش، فهذه كلها من شأنها أن تسهم في إنجاح العمل متى ما كان طرحها واقعيا والمتلقِّي يأخذ مما يرده على أمل التطوير ومعرفة العيوب، ورحم الله الفاروق عمر بن الخطاب حين قال مقولته المشهورة: "رحم الله امرأً أهدى إليَّ عيوبي"؛ فلو أنَّ كل فرد عمل بهذه المقولة سواء على المستوى الشخصي أو المؤسسي لصلح حال المجتمع، ولكن للأسف الأمثال والحكم الخالدة القديمة أصبحت شعارات أكثر منها تطبيقا على أرض الواقع.

رسالة لـ"نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي" اختاروا بعناية ما تكتبون وما تنشرون، فإنها أمانة وأنتم مساءلون عنها أمام الله؛ فهناك الكثير ممن يتبنون أفكاركم وينقلون ما تنشرون؛ فكونوا محضر خير وسلام، فالله الله بالعقول، فإنكم مسؤلون أمام الله والوطن والسلطان، فكونوا معاولَ بناء لا معاول هدم لوطن معطاء تعيشون فيه وتحيون عليه.

ورسالة أخرى لـ"مرتادي مواقع التواصل": لا تُصدِّقوا كل ما تقرأون دون دليل ومصدر، وتثبتوا من كل معلومة قبل نقلها للآخرين؛ فإنها أمانة وعلى ناقل الرسالة أن يراعي المصداقية فيما ينقل، ويكن كحامل المسك إما أن يُحْذِيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحاً طيبة، ولا تكونوا كنافخ الكير إما أن يحرق ثيابكم، وإما تجدوا منه ريحاً نتنة.. وفقنا الله وإياكم لخدمة هذا الوطن ورفعة شأنه.