الملف الاقتصادي في خطر

 

خلفان الطوقي

يُحاول الكاتب في بعض الأحيان اختيار عنوان لافت لكي تصل رسالته للمسؤول ومتخذي القرار، وأحيانا يختار عنوانا إيجابيا ليتمكن من إسعاد متابعيه، لكنَّ العنوان أعلاه واقعي ومتجرِّد قدر الإمكان، وكأنه استطلاع غير علمي أو رسمي لآراء ومشاهدات ووجهات نظر منوَّعة من مواطن مستقل أو مقيم أو موظف في قطاع حكومي أو خاص، أو صاحب مؤسسة تجارية، أو شريك، أو مستثمر في مؤسسة تجارية، يعنيهم الوضع الاقتصادي في السلطنة، ليس استطلاعًا علميًّا، لكنه واقعيٌّ ومركَّز، ومن المجدي أخذه بجدية، والبناء عليه بدراسات علمية عميقة وبحوث رصينة.

سؤالي الموجَّه إلى الشرائح المجتمعية المنوعة: إلى أين يتَّجهون اقتصاديا؟ تتفق الإجابة على "إلى ما هو أصعب"، والأسباب كثيرة، أولا بسبب ظروف خارجية ولا علاقة لنا بها، تتمثل في تباطؤ الاقتصاد العالمي نتيجة لعوامل عدة؛ منها: زيادة المعروض من النفط، والحرب الاقتصادية والتجارية المتصاعدة بين الولايات المتحدة والصين إبان حكم الإدارة السابقة للبيت الأبيض، وطول أمد واستمرارية جائحة فيروس كورونا وفصائله المتحورة.

أما محليًّا، فتمثلت الظروف والتحديات في: القرارات التي اتخذتها الحكومة بدءًا من إقرار الضريبة الانتقائية، ورفع الرسوم على كثير من الخدمات الحكومية، ومن ثم رفع الدعم تدريجيا عن الكهرباء والمياه، والذي سبقه رفع الدعم عن المشتقات النفطية، إضافة إلى الانخفاض الملحوظ في الإنفاق الحكومي على المشاريع الحكومية في السنوات الأربع الأخيرة، مع تأخُّر صرف مُستحقات المؤسسات التجارية المنفذة لبعض المشاريع الحكومية، وتأثير ذلك على شركات المقاولة المساندة من الباطن (sub-contracts)، وتلاها بمدة بسيطة إقرار تطبيق ضريبة (VAT) القيمة المضافة بقيمة 5% على معظم السلع والخدمات الاستهلاكية والمقررة اعتبارا من أبريل 2021، والإعلان عن برنامج الأمان الوظيفي الذي يشارك الموظف وصاحب العمل في تمويله، وأخيرا إعلان الحكومة نيتها زيادة رسوم تصاريح ومأذونيات العمالة الوافدة إلى ما يقارب 7 أضعاف في بعض الوظائف.

السؤال الذي يطرح نفسه: هل سيصمُد الاقتصاد العماني أمام المتغيرات والمستجدات التالية: عشرات الآلاف من العمانيين في القطاع الحكومي أُحِيلوا للتقاعد بنهاية 2020، وعشرات الآلاف من العمانيين والأجانب تعرضوا للتسريح نتيجة تداعيات فيروس "كوفيد 19" وفقدهم كثيرًا من العقود التجارية، وإعلان عدد من الشركات نيتها الإغلاق والتصفية أو تقليص أعمالها، ومئات الآلاف من الأجانب الذين تركوا السلطنة في عام 2020 والذين يقدر عددهم حسب الإحصائية التي نشرها صندوق النقد الدولي حديثا بنسبة 15.7% من عددهم الإجمالي، وعدم استطاعة كبرى المجمعات التجارية إقناع المستثمرين بتأجير محلاتهم ومكاتبهم، والشكاوى المتكررة من أصحاب العقارات لعدم تمكنهم من تأجير عقاراتهم، بل عدم استطاعة بعضهم دفع المستحقات البنكية، وتعذُّر كثير من المستأجرين عن الدفع لسبب أو لآخر، والحال ينطبق على قطاع الضيافة وأصحاب الفنادق والمنتجعات والأعمال المرتبطة بها وتجار التجزئة والمطاعم والمقاهي وباقي الأنشطة التجارية الأخرى.

هذا جزءٌ من المعطيات والمستجدات التي ظهرت بشكل واضح في العام 2020، لكن الحقيقة أنَّ كثيرًا منها نتيجة تراكمات سابقة منذ نهاية 2014.. فهل مع هذه الظروف المتراكمة ستتمكن السلطنة من تخفيض كلفة إنتاج السلع والخدمات، وتكون شريكاتها ومصانعها منافسة محليا ودوليا؟ وهل مع هذا العدد من القرارات والتوجهات والمعالجات المالية، ستتمكن الحكومة من توسعة النشاط الاقتصادي أو تكبيله بما لا يستطع؟ هل ترى الحكومة أنَّ التوقيت مناسب لتطبيق هذه القرارات والتشريعات وفي وقت قياسي ولا يُمكن تأجيلها لبعض الوقت إلى أن يستعيد القطاع الخاص نشاطه ويجمع أنفاسه وقواه؟ هل هذه السياسات ستمكِّن السلطنة من تقليل الانكماش الاقتصادي، وتقليل العجز المالي الذي وصل إلى 17% من إجمالي الناتج المحلي مع نهاية العام 2020؟ هل ستتمكن الحكومة من خلال الضرائب المتنوعة والرسوم الجديدة من خلق وظائف للعمانيين في العام 2021 وما بعده؟ هل هذه القرارات ستكون مغرية للمستثمر الأجنبي، خاصة في هذا التوقيت، في حين الإعلان عن مبادرات وحزم اقتصادية لتنشيط التجارة واستقطاب الاستثمار الخارجي والمحافظة على ما تبقى من الاستثمار المحلي في بعض دول الخليج؟ وهل سيستطيع المستثمر المحلي الصمود، أو أنه سيقرر الإغلاق أو التقليص التدريجي أو الهجرة لسوق آخر أو وضع مدخراته في وديعة ثابتة أو سندات محلية أو دولية؟ وهل هذه المعالجات سوف تؤتي ثمارا مالية مؤقتة لخزينة الدولة أو توسعا اقتصاديا طويل المدى يفيد الجميع؟ هل القوة الشرائية للمواطن والمقيم والزائر سوف تحافظ على حالها أو ستتأثر إيجابا أو سلبا؟

وغيرها من الأسئلة، وكثيرٌ من المؤشرات التي يجب أن تُقرأ بعُمق إضافي، وكثير من المواقف والمشاهدات التي من الأجدى التفكير فيها ومن جميع زواياها، وتبقي الإجابات عند من يدير الملف الاقتصادي.