سِنِيْ

 

طالب المقبالي

muqbali@gmail.com

 

ونحنُ على مقاعد الدراسة الابتدائية درسنا في مادة الجغرافيا أن السنة تتألف من أربعة فصول وهي الشتاء يليه الربيع ثم الصيف ثم الخريف، فقام بعض المجتهدين من الطلاب المُثابرين بتقسيم أشهر السنة إلى أربعة أشهر وتطبيقها على أرض الواقع، ونحاول أن نقنع أنفسنا أو أن نوهمها بأننا بالفعل في فصل الربيع مثلاً، إلا أن الواقع لا ينطبق على ما تعلمناه في المدرسة، فلم نجد سوى شتاء قارس البرودة وصيفا ملتهبا شديد الحرارة.

وبعد أن كبرنا وأصبحنا أكثر نضجاً أدركنا أنَّ الفصول الأربعة موجودة في بلدان أخرى غير بلداننا الخليجية، وسلمنا بهذا الواقع وتعايشنا معه، فاكتشفنا بعد ذلك أن في وجود الفصلين في بلادنا نعمة، فبلادنا بفصيلها جنة الله في أرضه.

ففي بلادنا تنوع مناخي جميل، فلدينا الثلوج في فصل الشتاء في الجبل الأخضر وجبل شمس وجبل السراة، وفي الصيف تنتج هذه البلدان خيرات كثيرة من الخضار والفواكه التي لا تثمر في المناطق الحارة وذلك لاعتدال مناخ هذه البلدان، ولدينا في جنوب السلطنة بمحافظة ظفار مناخ خريفي معتدل وموسم متميز بتساقط الرذاذ الذي يحول الأرض القاحلة إلى واحة غناء، وتكتسي الجبال باللون الأخضر في الوقت الذي تشهد فيه بلدان المنطقة حرارة تتجاوز الخمسين درجة.

وبلادنا عُمان تتنوع بجمال قراها وتنوعها الجميل بتضاريسها ومناخها، واهتمام الأهالي بالزراعة وتربية المواشي. ومن نعم الله على هذه البلاد في فصل الصيف حصاد التمور التي تُعد ثروة زراعية تتميز بها السلطنة كسائر البلدان المنتجة للتمور.

وقرية سني بولاية الرستاق هي واحدة من القرى الجميلة التي تحافظ على مكانتها وطبيعتها وتنوعها الجغرافي وتمتاز بمناخ جميل مُعتدل. هذه القرية التي كتبتُ عنها تقريراً لوكالة الأنباء العُمانية قبل أيام بمساعدة أخي وصديقي يحيى الشكيلي الذي زودني بالمعلومات الثرية التي لولاها لما توصلت إلى تلك المعلومات المنشورة في التقرير.

فسِنيْ كما جاء في التقرير (بكسر السين وسكون الياء)، وفي المعجم اللغوي تعني المكان المرتفع لأنها تقع على مسافة مرتفعة من القرى الواقعة على ضفاف وادي سداق الشهير. وحسب رؤى الأهالي فإن تسميتها وردت من سنا العين لاستقرارها الآمن، فهي تحيط بها الجبال من ثلاثة اتجاهات، وهي محصنة بأبراج إضافة إلى الأفلاج المستمرة في الجريان طوال العام دون جفاف، كما تعد من أكبر قرى وادي بني غافر بولاية الرستاق بمحافظة جنوب الباطنة.

وتقع سني في الجنوب الغربي لوادي بني غافر بين الجبال الشاهقة الممتدة لسلسلة الحجر الغربي المتصلة بمحافظة الظاهرة وتبعد عن مركز الولاية 60 كم عبر الطريق الذي يربط ولاية الرستاق بمحافظة الظاهرة.

وسِنِيْ ذات تاريخ عريق وهي قرية قديمة جداً من خلال الشواهد للعديد من الآثار لما قبل ظهور الإسلام لبعض التجمعات القبلية التي وفدت إليها وهاجرت منها ، ونجد أن بعض الأدباء والفقهاء تغنى بها في أشعارهم شوقاً لها وما تبقى من ذكريات، وأخرى في المدح والثناء وهي موطن أبرز الشخصيات العلمية والتاريخية إذ إنها موطن الشيخ العلامة مبارك بن سعيد الشكيلي الذي عينه الإمام بلعرب بن سلطان اليعربي في القرن الثاني عشر الهجري والياً بحصن الصير بجلفار (حالياً رأس الخيمة) وفيما بعد والياً على مقنيات بالظاهرة، وصاحب العديد من كتب المخطوطات التي تم تنقيحها وطباعتها حديثاً مثل مجموع البيان لحسن مكارم الأخلاق على مر الزمان وكتاب المصنف وغيرها من المخطوطات.

وتزخر القرية بتراث عريق فكان لها العديد من التحصينات الدفاعية كالأبراج الأربعة التي تحيط بها إضافة إلى حصن بيت الحجرة وهو بيت أثري ذو تحصينات تمر من خلاله قنوات فلج الحديث الذي يزود الحصن بالمياه قديماً إضافة إلى العديد من المخطوطات والرسومات الصخرية التي تنتشر في ربوعها، كما توجد بها بيوت صخرية منتشرة في ربوع القرية بسهولها وجبالها.

وفي القرن الحادي عشر الهجري تم إنشاء جامع كبير يضم مدرسة لتحفيظ القرآن الكريم وتدريس علوم التجويد والنحو، وعلى مقربة من الجامع بئر للوضوء أسفلها عين مياه يتم النزول إليها عبر سلم صخري جميعها تحف أثرية بتصميمها الهندسي وبراعة الإنسان العماني قديماً.

إن الحديث عن قرية سني وعن جميع قرانا الجميلة لا ينتهي، والتقرير يتضمن العديد من المعلومات عن هذه القرية الجميلة، فهذا المقال لا يستوعب جميع ما ورد في التقرير المنشور، والتقرير المنشور أيضاً لا يُمكن أن يستوعب جميع المعلومات عن هذه القرية، ولذلك أكتفي بهذا القدر من المعلومات؛ فزيارة هذه القرية ستكشف للزائر أسراراً أخرى غابت عنَّا وستنقلها كاميرات الزوار ومدوناتهم لقادم الوقت.