عذابات

طفول سالم

لم تعُد الحياة تجدي نفعاً، استسلمت لذلك الصداع  الذي لا يُفارق قلبها؛ فمنذ الانتهاء من الدراسة وهي تعيش كل أنواع وأشكال التعذيب النفسي، تم تهميش حريتها ووضعها في زنزانة جنون الشك والغيرة والعيب والإثم الفظيع.

"لن تشمي تلك النسمة بعد الآن" قالها وهو يدق المسامير على قطعة متآكلة من الخشب على نافذة آمالها؛ كانت تطل عليها شمس الصباح ويُغرد معها عصفور الأحلام قبل أن يسود الظلام والقهر المقيت.

تجلس بين جدران باردة؛ في عالم اليأس، والذاكرة بلا ذكريات.

الصراخ لن يجدي بين كل تلك الأثقال، ثم تغمغم بصوت مبحوح أرهقه النواح: "أنا أيضاً بشر؛ آه إنِّها فانية يا الله إنِّها فانية".

تشقى روحها بين ضلوعها؛ ‏دقات قلبها مُتعبة، أنفاسها تخنقها الآهات.

يأتي كشخص ميت يلطمها لمرات على رأسها؛ أنتِ آثمة، صوتك عورة ضحكاتك عهر، اكتمي تلك الأنفاس الكافرة. يُغلق الأبواب: لن تخرجي بعد الآن، يتربع وسط البيت ممسكاً عصاه وويلها إن عصت.

لا شيء بداخلها سوى ومضة من نور، فهل يثور بركان خامد من وراء تلك الظلمات، كل تلك الفوضى التي بداخلها تنطفئ شيئاً فشيئاً مع دمعها النازف على خد يابس.

ضاق حالها وعجز أن يثور أو يشتعل؛ ألبسها الوقت هماً وغماً، تجرعت النسيان، فبحثت فلم تجد إلا الفراغ؛ ‏تظاهرت بأنَّ كل شيء بخير ولا يسبب لها وضعها أي ألم.

 ارتسمت لأوَّل مرة تلك الابتسامة عندما لاح لها خيال الأصحاب وضحكات الأنس. كانت تبتسم وتغرق عيونها بالفرحة.. لتزيح تلك الخيبات وتقف على أقدام أرهقها السكون؛ تلامس قبساً من نور تسرب النافذة. تتنفس بعمق رائحة الحياة. تنهدت بأمل امتلأت به شرايين القلب. لتضخ الحياة في جسد أرهقه الضياع.

فأتت ضربة أطاحت بها أرضا لتنزف عيونها دما؛ ليضيع عمر حكم عليه بالإعدام؛ تشفق عليها جدران غرفتها. وتنزف الشقوق ألما.

غيمة ضباب سوداء تحيطها من كل جانب؛ ترضخ بانكسار تام يقتلونها ببطء تنثر الحزن من الشتات والضياع؛ ‏تتهاوى عن عالم قاسٍ، يسود الهدوء في فوضى دمائها وصراخ أوردتها لتودع روحًا مخنوقة، يتردد صداها في كل أرجاء الغرفة.

اغتال أحلامها الوردية، خذلتها الحياة بواقع ميؤوس منه، ماذا لو انتفضت وثارت وكسرت النافذة لترى تلك الشمس المشرقة؟ ماذا لو كسرت القيدَ لتُطلق تلك الصرخة؟.

ماذا لو خضبت أنفاسها بلن أخضع؟ ماذا لو هزَّت كتفها بكفى؟ تلك الحياة ما هي إلا عذابها.

تحتضر أحلامها لتنزف عذابات الصمت ويعمها الليل بظلامه الدامس.

كيف تعيش بسلام ولم ترَّ منهم إلا قاتلها؟. ماتت تلك الروح وتلك الابتسامة لتتترك تجاعيد الأحزان.

ما كان لها إلا أن تضيق ويموت الضجيج بداخلها/ فلتهدأ الرياح؛ وليلملم الشتات نهاياته.

اشتدت الحلقة فأطفأت مصباحها، وكان الرحيل.

تعليق عبر الفيس بوك