سالم بن نجيم البادي
ضحّي هذا راعي بوش وجعد وغنم مسكين يعيش في أعالي الجبال يعشق الوحدة ويكره المدن، يدعي الجهل ويتغابى ويمثل أنَّه لا يهتم ولا يفهم ولا يبالي ولا يسمع ولا يرى، لكنه قرَّر فجأة ترك عالمه الخاص والنزول إلى القرى والأسواق والمدن يستطلع الأمر بعد أن سمع عن المراسيم والقرارات والتطورات الحاصلة في البلد؛ تسوقه في ذلك رياح الأمل والتفاؤل بغدٍ أفضل في ظل القيادة الجديدة وتباشير النَّهضة المتجددة والثقة المُطلقة والولاء التام لحضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه-.
وقد وجد ضحّي الناس يخوضون في أمور شتى تدور في البلد وتنال اهتمامهم ولم يدرِ لكثرة الكلام عن قضايا كثيرة ومختلفة من أين يبدأ؟ أقضّ هذا الأمر مضجعه، وزادت حيرته، واشتد قلقه، وراح يلتقي بأقرانه وأقاربه وجيرانه والناس البسطاء في المجتمع، ووجدهم كلٌ يغني على ليلاه! وتسابقوا في الحديث عن قضايا مثل رفع الدعم عن الكهرباء والماء والضرائب والرسوم والغرامات والمخالفات، وغلاء المواد الغذائية والوقود وضريبة القيمة المُضافة القادمة، والباحثين عن عمل والمسرحين عن العمل، والاقتطاع من الرواتب لصالح الباحثين عن عمل والترقيات الضائعة والعلاوات السنوية المبتورة والشائعات، والتخرصات، وحديث عن الفساد وضياع المال العام، وترف ورواتب فلكية، وميزات وحوافز وامتلاك أراض شاسعة، واختلاسات ومشاريع غير مجدية، وأخرى متعثرة، وشركات حكومية متخمة بالديون، وصناديق تقاعد تئن تحت وطأة العجز المالي، وأجانب يمسكون بمفاصل من الاقتصاد في القطاع الخاص.
إلى جانب محاجر ومناجم ونفط وغاز وسواحل وشواطئ وموانئ ومقومات سياحية هائلة غير مستغلة وأرض زراعية شاسعة وخصبة، وأسماك وخيرات البحر، وأضاف أحدهم: عدد سكان البلد أقل من 3 ملايين ما قادرين يوظفوهم ويعيشوهم في رفاهية. وقال آخر: في الأزمة المالية المتهمان النفط وكورونا ابحثوا عن بقية المتسببين في الأزمة واسألوهم من أين لكم هذا؟
قانون التقاعد الغامض الذي أثار فزع الموظفين والموظفات وأعداد كبيرة منهم قرروا الهروب والتقاعد والذين أرغموا على التقاعد هكذا فجأة بلا ذنب سوى أنهم أتموا 30 سنة وأكثر في خدمة الوطن الغالي، وقد كسرت خواطرهم دون أن تجبر بحوافز مالية زهيدة أو حتى معنوية ضاعت منهم ترقيات وخصم من رواتبهم مبالغ مجزية ومكافأة زهيدة لم تصل إلى بعضهم حتى الآن. واستمع ضحي إلى مآسٍ كثيرة لحقت بهولاء منهم مدين من أجل بناء بيت وأحدهم يدفع مبلغ 3 آلاف ريال لتدريس ابنته في جامعة خاصة، وآخر قد اشترك في جمعية بـ1000 ريال يدفعه شهرياً وأحدهم ما زال يدفع أقساط السيارة وكان يمني نفسه بتسديد الأقساط نهاية العام 2022 ورجل يصرف على أبنائه الباحثين عن عمل وحكايات هؤلاء لا تنتهي.
وماذا عن من أكملوا 30 سنة وأكثر هذا العام، هل تتم إحالتهم إلى التقاعد كما حدث مع أقرانهم العام الماضي ممن أكملوا 30 سنة وإذا لم يجبروا على التقاعد فأين العدالة والمُساواة؟!
ورفع سن التقاعد المُبكر من 20 سنة إلى 30 سنة أربك فئات من الموظفين والموظفات من لا طاقة لهم للبقاء في قيود الوظيفة 30 سنة، وكان من المؤمل طرح هذا التعديل لنقاش مُجتمعي مُوسع وعرضه على مجلس الشورى الذي يمثل الشعب لا أن يُصعق الناس بقرار يمس حياتهم ومستقبلهم كأنَّه القدر المحتوم الذي لا فرار منه. ومجلس الشورى قليل الصلاحيات وقد صرخ بعض أعضائه "محد يشاورنا"، وهذا التباكي دليل قلة الحيلة.
وعاد ضحّي إلى الجبال العتيدة لا يلوي على شيء، وقد ندم على النزول والنقاش؛ وهو لا يدري ولا يعلم ويجهل خفايا الأمور واتخذ قرارا بالصمت الجميل، وترك الأمور لأهل القرار والاختصاص ومن اختارهم القدر لتدبير شؤون الناس.