وقفة مع الصمت

 

وداد الإسطنبولي

شعور قاتل مُضاد للنطق؛ هذا متداول بين الأفواه، أحسبه لغة جميلة، لمن يستطيع ترجمة طلاسم حروفه النائمة، وربما كثيرا ما تعاملنا مع عملة الكلام، وترجمت أحاديثنا بهذا المباح، تيبس هذا الآخر في مكانه واضمحل، وغرق بتنفسه لشعوره البائس بعدم قيمته.

كنت أراقبه عن بُعد ثمَّ استجمعت شجاعتي واقتربت منه قائلة: لا تيأس يا صديقي، سمعت أقاويل كثيرة عنك، وبصراحة أنت من وضعت نفسك في هذه الزاوية! انظر إلى نفسك، أحدثك ولا تبادلني الحديث، ولكن هذه مشكلتي أنا، فلطالما أريد مصادقتك فلابد أن أقف بجانبك، يكفيني دغدغتك لي فلا أحد يشعر بها سواي. لا!  هناك آخرون يفهمونها بالتأكيد.

المُهم، ينعتونك بالقاتل! سرقت بنظري لعلي أجد تأثير كلمتي عليه وحدَّق بي، بلا اكتراث أكملت الحديث: اعتذر، أنت ميت، ميت، ولكن لا عليك وضعت لك زاوية للشرح والمداولة والتَّدبر والبحث في شأنك، فمن تأقلم على نغمة الحديث، ومواضع إبداع الحروف الكلامية، وثرثرة الشفاه، ولعلعة الحناجر فعليه أن يقف معك الآن، وينظر إليك بمعالمك وملامحك الأخاذة وقوانينك المُتزنة، لا تنظر إليَّ هكذا كالأبله، افرش صدرك وافتخر، وتباهى وترنح فلحظة منك بمكيال الذهب، ابشر هذا أول غيثك في الارتقاء.

نحن هنا لا نهين الكلمة ولا الكلام، بالعكس فلولاها لما كان اتصال وتواصل، ولكن لكل مقاله ومقامه، ها نحن نقبل على تباشير خير لك، اسمعني أريد رفع رأسك فقط

الحديث في زمننا مع هذا الكم الهائل من التغييرات في مجريات الحياة وبداية اهتمام الإنسان بنفسه قبل كل شيء، نجد أننا مهما خضنا في الكلام، وأشغلنا فتيل الكلمات فلن يشعر أحد بعمق المقصد، فتزحف الذات إلى الدواء القادر على مُعالجة صاحبه وإن كان النقيض، أنت معي انتبهت من هو هذا النقيض؟ نعم أنت، "أحسنت ابتسم"  فقيمتك تختزل في سكونك الهادي فترهف الأذنان إلى قول يتردد ويتكرر وهو" الصمت حكمة ويكفيه المقام".

أريدك أن تتذكر أنَّ للكلام سلبياته، وللصمت أيضاً. فهناك صمت لا حاجة له في كل حين، لأننا لسنا مخلوقين لفك رموز أحد. الحياة سريعة تركض تبحث عن الأسهل والأقرب في التعامل، ليسوا مجبورين للوقوف على كلمات يابسة ميتة. وهناك أعماق تصيح تستبيح الحديث.

افهمني، أنا هنا على هذه البسيطة البيضاء، أتباحث عن موضوع الصمت المفيد، في الوقت المعلوم والإيجابي المحتوم، تأقلمنا على صيغة واحدة وهي الكلام المسموع، وإن كان يترجم إلى حروف تتفجر كلمات بعد حين- أي الصمت – إذن نحمد الله على نعمة النطق ونقول للصمت شكراً فهذه وقفة قصيرة، لم أعطِ حقك فيها ولكن ما قلَّ دلَّ على هيبتك ومقامك، كانت وقفة تعبر عن شعور جميل نتأمل فيها جمالك فأنت ناطق متى ما أردت أن تفك طلاسم ذاتك.

هناك مقولة تقول: "الصمت وإن ضاق، الكلام أوسع".

تعليق عبر الفيس بوك