جابر حسين العماني
إبليس أيُّها المتمرد اللعين، يا مَن ترافقنا في كل زمان وكل حين، كانت أمتنا العربية والإسلامية بألف خير وسلام، ما الذي فَعَلت بأهلها حتى جعلتهم يعانون من الكآبة والأحقاد والظلم والفساد والإفساد؟
لماذا صار الكثير من أبناء أمتنا العربية والإسلامية أبالسة وشياطين تفوقوا على إبليس بالجرأة والحدة والصلابة والمكر والدهاء والخداع؟ لماذا أصبح بعض المسؤولين والموظفين والتجار والمربين شياطين وأبالسة يُمارسون المكر والخداع، ويسعون لإغواء الناس وإخراجهم من النور إلى الظلمات؟ أصبحوا ينشرون مكائدهم وجرائمهم في كل زاوية من زوايا هذه الدنيا البالية والفانية.
إبليس أيُّها العدو اللدود؛ إني أستعيذ بالله السميع العليم منك، لقد أقسمتْ أنت بعزة الله تعالى أن تُغوينهم أجمعين فأغويتهم، ولا تزال تستهدفهم بالباطل والشر والأحقاد، دمرت الحب والتعاون والإلفة بين الناس، وما زلت تسعى لتدمير ما تبقَّى من خير في هذه الأمة، مُنفِّذا بذلك أجندتك الدنيئة غير مُكترث ولا مُبالٍ بربك وخالقك وولي نعمتك؛ قال تعالى: "قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ"، أغويت يا إبليس أمتنا وفرقتها وجعلتها طرائق قِددا مُتشرذمين هنا وهناك، أصبحت كلُّ طائفة ترى من نفسها أفضل من غيرها متناحرين بينهم مُبتعدين عن روح المحبة والمودة والسكينة والتآزر والترابط.
كم كانت جميلة هي تلك الأرواح الطيبة والعظيمة التي كانت تسُود مجتمعاتنا العربية والإسلامية، أما اليوم فها نحن نرى أباليس وشياطين من البشر تفوقوا على إبليس اللعين! امتهنوا عمل الشيطان الرجيم، فأصبحوا يُحطِّمون كل شيء جميل تبقى في عالمنا البشري، وكيف لا يكون ذلك وقد صار الظلم في أمتنا فخرا، واﻷمراء فجرة لا يراعون حقوق الله، والوزراء كذبة لا يخافون عهد الله، واﻷمناء خونة لمن استأمنهم، واﻷعوان ظلمة لمن استعان بهم، ففرضت الضرائب على الفقراء والمساكين، واقتطعت رواتب الناس، وأصبح المواطن الفقير مستهدفا في معيشته وأسرته، لا يملك القدرة المادية حتى لدفع فاتورة الماء والكهرباء لشدة فحش غلاء المعيشة التي فرضها جنودك وحاشيتك ومرتزقتك يا إبليس، أما أحباؤك وأولياؤك من الأغنياء المترفين والمبذرين السائرين على نهجك الباطل، فهم يعيشون اليوم في رغد من العيش مُتباهين بما عندهم من أملاك وأرصدة في البنوك العالمية، غير مُكترثين بمن حولهم، لا يُراعون الضعفاء ولا الفقراء ولا المحتاجين ولا المستضعفين في مجتمعاتهم؛ ذلك لأنهم بلا حسيب فيُحاسبوا، ولا رقيب فيراقبوا، غرتهم الدنيا بزخارفها الكاذبة وحلاوتها المؤقته وأيامها المعدودة، فكانوا وما زالوا هم المطية المفضلة لك يا إبليس التي تمتطيها متى ما شئت.
فإلى متى تناصرهم، والى متى تقوي شوكتهم، وتشد أزرهم بالباطل والضلال والإضلال، وتعينهم في نشر مكائدك وجرائمك، بهدف إضعاف مجتمعاتنا العربية والإسلامية، وخلق المزيد من التفكك الأسري والاجتماعي .
هي رسالة قد يتخاطب بها الإنسان مع عدوه إبليس اللعين، ولكن المؤمن بالله تعالى حقا هو حتما يعلم جيدا أنَّ كل شيء في هذا الوجود هو بيد الله وحده لا شريك له، والمؤمن بالله تعالى هو الوحيد فقط من يستطيع مصارعة إبليس والتغلب عليه، والنجاح والاستقرار والاطمئنان في عالم الحياة، سواء على صعيد الأسرة أو المجتمع.
ولكي يستطيع الإنسان في حياته اليومية التغلب على إبليس ومكائده وشروره ومفاسده فما عليه إلا تطبيق الآتي:
- أن يكون مؤمنا بالله تعالى على الدوام، فلا سلطان لإبليس على المؤمنين والمتوكلين على الله سبحانه كما في قوله تعالى: "إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ"، وقوله تعالى في خطابه لك يا إبليس اللعين: "إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلًا".
- أن يعوِّد نفسه على الاستعاذة من إبليس الرجيم عند كل شيء يريد القيام به في الحياة؛ لذا لابد أن يُكثر من قول: "أعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ"، وقال تعالى: "وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ"، نستعيذ بالله السميع العليم منك يا إبليس .
- أن تُحاسب نفسك جيدا؛ فمن أراد التخلص من مكائد إبليس والرقي بنفسه إلى أعلى درجات الإيمان والتقوى والورع لله تعالى، فعليه الاهتمام جيدا بوضع خطة يومية منظمة لمحاسبة النفس، فقد ورد عن أمير المؤمنين ومولى المتقين الإمام علي بن أبي طالب: "لَيسَ مِنّا مَن لَم يُحاسِب نَفسَهُ كُلَّ يَومٍ، فإنْ عَمِلَ خَيراً اسْتَزادَ اللَّهَ مِنهُ وحَمِدَ اللَّهَ علَيهِ، وإنْ عَمِلَ شَيئاً شَرّاً اسْتَغْفَرَ اللَّه".
إذن، علينا أنْ نعلم أنَّ إبليس لا يستطيع التسلط على الإنسان مطلقا، إلا إذا كان الإنسان هو وحده من يدعو إبليس إلى التقرب إليه ثم إغوائه، قال تعالى: "إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ" صدق الله العلي العظيم.
أخيرا.. عليك أن تعلم يا إبليس ومن معك من جُنودك من الجن والإنس، مهما زرعتم من بذور الشِّقاق والنفاق في جسد أمتنا العربية والإسلامية، سيبقَى المؤمنُ بالله تعالى قادرا على إيقاف جبروتكم وظلمكم وكيدكم، وسيبقَى الحبُّ والخير والإلفة والتآزر والتعاون نهجًا ينتهجه الشرفاء من أبناء هذه الأمة.