ومضى عامٌ على رحيل القائد

محمد بن حمد البادي

ومرَّ عام بأكمله على ذلك الصباح البائس الذي ودعنا فيه رمز عمان الخالد، قائد مسيرة النهضة المباركة  -طيب الله ثراه- فما أشبه اليوم بالأمس، حين أطل علينا مذيع التليفزيون في تمام الرابعة فجراً، في وقتٍ غير معهود، ليتلو علينا البيان الصادر من ديوان البلاط السلطاني، البيان الختامي لمسيرة رجل بألف رجل، معلناً خبر وفاة أعز الرجال وأنقاهم، السلطان قابوس بن سعيد بن تيمور -طيب الله ثراه.

إنَّها الذكرى الأولى لرحيل السلطان قابوس والتي نستذكر معها جميع المشاهد الحزينة يوم وفاته، وكأن شريطا سينمائيا يمر أمامنا؛ ليجسد لحظات ذلك اليوم الحزين، والذي اختلطت فيها مشاعر الحزن بمشاعر الأسى، ومشاعر أخرى كثيرة لا نجيد التعبير عنها، كيف لا وهو السلطان الذي نشأنا في كنف ظل قيادته وتحت كنف رعايته، وترعرعنا تحت قبة حكمه وسلطانه، ونهلنا من ينابيع علمه وثقافته، وتعلمنا الكثير من مدرسة حلمه وسماحته، وسرنا في طريقٍ مضاءٍ بنور حكمته وبصيرته، فحقّ لنا أن نجزع كثيراً لوفاته، فألم الفقد ما زالت هواجسه لم تفارق قلوبنا، ومرارة الفراق لم تبارح أفئدتنا، ودموع الحزن لم تجف في مآقينا، ووجع الغياب لا يزال يختلج بين أضلعنا، تفتقدك عُمان اليوم وكل يوم يا سلطان القلوب، من أقصاها إلى أقصاها، محافظاتها وولاياتها، وحاراتها وقراها، جبالها وسهولها وشطآنها، ميادينها وساحاتها وأسواقها، قلاعها وحصونها وأبراجها.

سيدي السلطان، لن ننسى كلماتك المضيئة، وخطاباتك العظيمة التي كنا ننتظر من أجلها يوم الثامن عشر من نوفمبر من كل عام لنسمع صوتك الحاني وتوجيهاتك السديدة بكل شوق ولهفة،،ولا زلنا في كل مناسبة ننتهز الفرصة لاقتباس الكلمات المضيئة التي لا زالت تشع نوراً من خطاباتك السامية، التي نتلمّس منها حكمتك التي قادت عمان لتتبوأ مكانة مرموقة بين دول العالم، وبصيرتك الثاقبة التي ألهمتنا العز والفخر، إنها كلمات ليست كالكلمات، تعتبر مرجعاً فكرياً وثقافياً وإعلامياً، والتي يجب أن نتمسك بها كميثاق وطني، أو دستور نترسم خطانا منه.

رحل ـ رحمه الله ـ بعد أن سطر اسم عمان بأحرف من ذهب في سجل الدول الراعية للسلام، والداعية للخير والوئام، وخلّف لنا إرثاً خالداً يعانق صفحات المجد، يسطّر في السجل الذهبي للتراث العماني الخالد؛ الضارب بجذوره في أعماق التاريخ، يضاف لإرث من سبقوه من حكام وأئمة وسلاطين وملوك هذه الأرض الطيبة عبر كل العصور والأزمان، وليبق اسم قابوس يتردد في أعماق النفوس ردحاً من الزمن، فكونوا عند حسن ظنه دائماً، فالعالم أجمع يرى في كل منكم (سلطاناً)، وفي قلب كل رجلٍ منكم (قابوس) السلام.

وتخليداً لذكرى هذا القائد العظيم ـ طيب الله ثراه ـ وتقديراً واحتراماً وإكراماً له، ووفاءً لمسيرته العطرة، وفخراً واعتزازاً بما حققه، ومن أجل أن تبقى عمان حرةً أبيةً كما أراد لها أن تكون، وفي الذكرى الأولى لتنصيب من اختاره ـ رحمه الله ـ خلفاً له ليكون سلطاناً على عمان، فإننا نجدد العهد والولاء لحضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ ليكمل مسيرة البناء والتعمير، تحت شعار "عمان نهضة متجددة".

نضع أيادينا جميعاً بيده، نعاهده على السمع والطاعة في العسر واليسر، والمنشط والمكره، وسنكون له دائماً السند المتين، والناصح الأمين، معتصمين تحت قيادته بحبل الله القويم، متمسكين بوحدة الصف والكلمة، والهدف والمصير، متجنبين كل أسباب الفرقة والشقاق.

وفي الختام ندعو الله العلي القدير أن يرحم السلطان قابوس وأن يرزقه من الأجر والثواب ما ترجوه له النفوس، وأن يحشره في زمرة الذين أنعم عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقاً.