مشروعية المنع من التصرف

 

 

د. مصطفى راتب *

* أستاذ مساعد بكلية البريمي الجامعية

الملكية الخاصة مصانة؛ فلا يمنع أحد من التصرف في ملكه إلا في حدود القانون، والنص في المادة 798 من قانون المعاملات المدنية العماني على أنه "حق الملكية هو سلطة المالك في أن يستعمل الشيء المملوك له، وأن يستغله، وأن يتصرف فيه بجميع التصرفات الجائزة شرعا".

والنص في المادة 805/1 من قانون المعاملات المدنية العماني على أنه "ليس للمالك أن يشترط في تصرفه عقدا كان أو وصية شروطا تقيد حقوق المصرف إليه إلا إذا كانت هذه الشروط لمدة محددة ومعقولة، وقصد بها حماية المصلحة المشروعة للمتصرف أو المتصرف إليه أو الغير"، والأصل هو تمتع المالك بالسلطات التي تمكنه من الحصول على كافة مزايا الشيء محل الحق من استعمال واستغلال وتصرف، ما لم يحرم من بعضها مُؤقتا كما لو حرم من سلطة التصرف كأثر لشرط صحيح بعدم التصرف.

وهذا الشرط كما يكون مانعا من التصرف بصفة مطلقة خلال مدة المنع، فإنه قد يكون مقيدا لحرية التصرف دون أن تمنعه، وكلاهما يجب أن يكون خلال مدة معقولة بحيث لا يمنع المالك من التصرف فيما ملك بالعقد أو الوصية بعد انتهاء تلك المدة، وأن يكون مبنيا على باعث مشروع، إلا أنَّ المشرع ونظرا لخطورة هذا الشرط، وتضييقا لنطاق استخدامه اشترط لصحته أن يرد في التصرف الذي تلقى به المشروط عليه الملكية، وضرب مثلا لذلك حالة وروده في عقد الرهن -كما الحالة المطروحة؛ حيث يشترط المرتهن على الراهن عدم التصرف في المرهون إلى أن يتم استيفاء الدين المضمون بالرهن، حتى يتفادى اتباع إجراءات التنفيذ ضد من تنتقل إليه الملكية، وهي أكثر تعقيدا من إجراءات التنفيذ ضد الراهن نفسه، وخطورة الإقرار بصحة مثل هذا الشرط أنه لو كان صحيحا لأصبح شرطا جاريا يوضع في كل عقود الرهن، وحيث كون المرتهن في مركز من القوة يسمح له بفرض شروطه، وينتهي الأمر إلى تفويت ما يهدف إليه التنظيم التشريعي للرهن من التوفيق بين حرية المالك في التصرف في المرهون ليتمتع بأكبر قدر من مزايا الملكية، وبين ضمان حصول الدائن على حقه عن طريق ماله من سلطة التتبع.

مؤدَّى نص المادة 1010 من قانون المعاملات المدنية العماني أن الرهن التأميني عقد به يكسب الدائن على عقار حقا عينيا يكون له بموجبه أن يتقدَّم الدائنين العاديين والدائنين التاليين له في المرتبة في استيفاء حقه في ذلك العقار في أي يد يكون، ويستوفي الدائنون المرتهنون حقوقهم قبل الدائنين العاديين من ثمن العقار المرهون أو من المال الذي حل محل هذا العقار وذلك حسب مرتبة كل منهم، وأجازت المادة 1038 من ذات القانون للدائن المرتهن إذا حل أجل دينه أن ينفذ على العقار المرهون في يد الحائز بعد إنذاره بدفع الدين، ويكون للحائز أن يختار إما أن يقوم بوفاء الدين المضمون بالرهن، أو أن يطهر العقار من الرهن أو أن يتخلى عن هذا العقار، ويعتبر حائزا للعقار المرهون في هذا الخصوص كل من انتقلت إليه بأي سبب غير الميراث ملكية العقار المرهون أو أي حق عيني آخر قابل للرهن دون أن يكون مسؤولا مسؤولية شخصية عن الدين المضمون بالرهن. وأخيرا، يجب ألا تبلغ هذه القيود مبلغا يصيب حق الملكية في جوهره أو تُفقده أهم خصائصه أو تحرم صاحبه من تقرير صور الانتفاع؛ فإذا ما تمَّ تحميل هذا الحق برهن رسمي فإن الراهن يبقى مالكا للعقار المرهون مع ما يخوله حق الملكية من سلطة التصرف، مع مراعاة أحكام التزام الراهن بضمان سلامة العقار المرهون؛ فيجوز للراهن أن يتصرَّف في العقار المرهون وأي تصرف يصدر منه لا يؤثر في حق الدائن المرتهن فتنتقل الملكية مثقلة بحق الرهن، ويكون للدائن تتبع العقار في أي يد يكون وأن يستوفي حقه مقدما على غيره بمقتضي حقه في الضمان العام.

الرأي الراجح يذهب إلى أنَّ سلطة المدين في التصرف في العقار المرهون تتعلق بالنظام العام؛ فالحرية للراهن في أن يتصرف في العقار المرهون لا يجوز أن يقيدها اتفاق مع الدائن المرتهن، ويكون باطلا تعهد الراهن للدائن المرتهن بألا يتصرف في العقار المرهون، فلما كان من أهم الخصائص المميزة للنظم التأمينات العينية المحافظة على مبدأ حرية المدين في التصرف في أمواله، وهي في هذا الخصوص لا تخرج عن القواعد العامة في الضمان العام للدائن. وكان الإبقاء علي هذه الحرية، وجب ألا يكون من شأنه الإضرار بالدائن. وتفادي هذه الأضرار كان عن طريق إعطاء الدائن سلطة التتبع والتقدم.. فهذا التنظيم الفني للرهن الرسمي يرتبط بالنظام العام.

ويُضاف إلى ذلك أنَّ إجازة مثل هذا الشرط تؤدي إلي شيوعه في العمل؛ حيث يكون الدائن المرتهن في وضع يمكنه من هذا الشرط في العقد حتي يتفادى إجراءات تتبع العقار تحت يدي الحائز. ونصل بذلك إلى تغيير أصول الرهن الرسمي التي تقوم علي التوفيق بين مصلحة المدين ومصلحة الدائن.

والخلاصة أنه لا يجوز أن يشترط الدائن على المدين عدم تصرفه في المرهون.