أولى سنوات النهضة المتجددة

حاتم الطائي

تحل يوم الإثنين (11 يناير) الذكرى السنوية الأولى لتولي حضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- مقاليد الحكم، وهي المناسبة السعيدة التي أذنت بانطلاق مسيرة النهضة المُتجددة، بكل عنفوان، وبعزيمة صلبة من قائدها المفدى لجعل عُمان في مصاف الدول المُتقدمة، وفق ما تطمح له الرؤية المُستقبلية "عمان 2040".

كما إننا نستذكر في تلك الأيام رحيل أعزَّ الرجال وأنقاهم، المغفور له بإذن الله تعالى السلطان قابوس بن سعيد- طيب الله ثراه- ذلك الرجل العظيم الذي نجح خلال خمسة عقود من النَّهضة في أن ينشر بساط التنمية بشتى ربوع وطننا الغالي، وأن يستحوذ على قلوب كل العُمانيين، بل لا نبالغ إذا قلنا كل من عرفه وخبِر مآثره التي لن تنساها الذاكرة الوطنية أبد الدهر، وسيظل اسم السلطان قابوس محفوراً في تاريخ المجد العُماني، قائداً فذاً حكيماً، ألهم الأمة العُمانية معاني الصبر والسلام، ورسَّخ قيم التعايش والوئام، وأعلى من شأن الأخلاق الحميدة، وحفز على العمل والإنتاجية في مختلف القطاعات والمجالات. سيبقى السلطان المُؤسس قابوس بن سعيد- رحمه الله- عنواناً للمسيرة الظافرة التي استطاعت أن تنتقل بعُمان من الظلمات إلى النور، ونجحت في نشر مظلة التعليم والصحة لكل عُماني وعُمانية، وأولى عنايته الخاصة بمجالات قلّما اهتم بها الآخرون، فشهدت البيئة في عهده اهتمامات غير مسبوقة، كما تطورت مسيرة التعليم لمستويات حازت على الإشادات العالمية، فضلاً عن الارتقاء بالمنظومة الصحية لمراتب متقدمة.

والحقيقة أنَّه على الرغم من التحديات التي رافقت مسيرة النهضة المتجددة خلال السنة الأولى من تولي جلالة السُّلطان المفدى مقاليد الحكم، إلا أنها حققت من الأهداف وبلغت من الغايات، ما ساعدها على إحراز تقدم غير مسبوق، في شتى القطاعات وميادين العمل. ولقد رسم الخطاب السامي المُتلفز الذي تفضَّل جلالته فألقاه في الثالث والعشرين من فبراير الماضي، ملامح المُستقبل المنظور، وخاصة عندما أكَّد جلالته أنَّ "الانتقال بعُمان إلى مستوى طموحاتكم وآمالكم في شتى المجالات، سيكون عنوان المرحلة القادمة بإذن الله"، فتلك الجملة حملت العديد من الدلالات الوطنية، وعلى رأسها أنَّ جلالته- أعزَّه الله- سيعمل على تحقيق رؤية المواطن وطموحاته لمسيرة التنمية.

ولقد وعد جلالته- أبقاه الله- بتحقيق جملة من الأهداف والغايات، فأوفى بذلك قبل انقضاء العام الأول من توليه مقاليد الحكم، ففي السنة الأولى من العهد السعيد لجلالته، اتخذت جميع الإجراءات التي أعادت هيكلة الجهاز الإداري للدولة، بما في ذلك إلغاء وزارات وهيئات، ودمج أخرى، واستحداث مُؤسسات لخدمة الأهداف الاقتصادية مثل جهاز الاستثمار العماني، وأخرى لإنجاز مهام إدارية مثل "المكتب الخاص"، فضلاً عن تحديث منظومة التشريعات والقوانين وآليات وبرامج العمل الوطنية، والتي يُمكن القول إنِّها سرعت الخطى نحو تحقيق أهداف "رؤية عمان 2040"، إلى جانب النجاح غير المسبوق في مراجعة أعمال الشركات الحكومية، من أجل تطوير أدائها ورفع كفاءتها، الأمر الذي نراه يتحقق منذ شهور وحتى اليوم، وسيستمر ويتواصل خلال المرحلة المقبلة أيضاً. وعد جلالته- حفظه الله- بتوجيه الموارد المالية التوجيه الأمثل، فأوفى في ذلك، فشهدنا خطة التوازن المالي وما أسفر عن إعادة توجيه الدعم الحكومي المخصص للكهرباء والمياه ليذهب لمُستحقيه، وكذلك خطط خفض الدين العام للدولة، وإيجاد مصادر بديلة لزيادة الدخل ومنها القطاع السياحي الذي شهد تسهيلات كبيرة، وكذلك بدء تطبيق بعض الضرائب التي لن تُؤثر على محدودي الدخل، بفضل ما تزامن معها من إجراءات لبناء مظلة أمان اجتماعي ونظام للحماية الاجتماعية كذلك. كما ستُسهم خطة التوازن المالي في الحد من العجز المالي في الميزانية العامة للدولة، وتحقيق استدامة اقتصادنا الوطني.

إننا أمام عام حافل بالإنجازات رغم التحديات، فوباء كورونا الذي باغت الجميع، ونال من أقوى الدول في العالم، والركود الاقتصادي الحاد الذي تبع عمليات الإغلاق وتوقف حركة السفر حول العالم، فضلاً عن التأثيرات السلبية لتراجع أسعار النفط وهبوط الإيرادات العامة، كل ذلك عرقل الكثير من الجهود، التي لولاها لتحققت إنجازات مُضاعفة في شتى القطاعات. غير أنَّ القيادة الحكيمة والرؤية الاستشرافية النافذة والتخطيط المُحكم القائم على الدراسة الوافية للمُعطيات، جنَّب وطننا تبعات اقتصادية وصحية لم تنجُ منها "الدول العظمى". لقد استطاعت حكومة صاحب الجلالة في واحد من أصعب الأعوام في التاريخ الحديث، أن تُدير الأزمات واحدة تلو الأخرى بكفاءة واقتدار، فما أنجزته اللجنة العُليا المكلفة ببحث آلية التعامل مع التطورات الناتجة عن انتشار فيروس كورونا- وبفضل التوجيهات السامية المستمرة والمتابعة الحثيثة من لدن جلالته- أسهم في تجنيب بلادنا مخاطر هذا الوباء والحد من تبعاته الاقتصادية. علاوة على أنَّ جهود معالجة الاختلالات المالية ساعدت في تجاوز منطقة الخطر الاقتصادي، في ظل العزم السامي على تحقيق التوازن المالي وضمان الاستدامة.

وختامًا.. إنَّ رصد منجزات عام مضى من حكم جلالة السُّلطان المُعظم- أبقاه الله- يُبرهن على أنَّ ما تحقق في 12 شهرًا ما كان ليتحقق لولا الإرادة الوطنية الصادقة من لدن جلالته، والحرص السامي على تنفيذ كل ما من شأنه أن يدعم جهود تحقيق الرخاء والاستقرار لكل مُواطن.. فكل عام وجلالة السُّلطان المُظفر ينعم بالصحة والعافية، وكل عام وعُماننا الغالية تسمو نحو المجد وترتقي سلم العُلا بخطى واثقة وبصيرة صادقة ورؤية نيرة.