علي بن بدر البوسعيدي
على امتداد تاريخنا العريق، والإنسان العُماني نجح في ترك بصمته الخاصة، وحفَر اسم عُمان على سفوح الجبال وفي أعالي البحار؛ ليؤكِّد للعالم أجمع ما بَلَغته الحضارة العمانية على مر التاريخ، من تقدُّم وازدهار في فترات مختلفة من عمر الإنسانية.
وأحد أبرز ما يسلط الضوء على مسيرة الحضارة، المتاحف، وما تحتويه من عناصر هذه الحضارة وشواهدها التي تبرهن عبقرية الإنسان في كل زمان ومكان. وتزخر بلادنا بالعديد من المتاحف، سواء تلك التي تتبع وزارة التراث والسياحة أو قوات السلطان المسلحة، ولا شك أن المتحف الوطني يمثل أحد أهم الشواهد الحضارية على مسيرة الإنسان العماني عبر مختلف العصور والأزمنة. لكن للأسف ينقصنا الترويج المناسب لهذه المتاحف، وتحفيز المواطنين، لاسيما الأجيال الجديدة، على زيارتها، ومن العجيب أن السياح يأتون إلى بلادنا من أقصى دول العالم ليتعرفوا على حضارتنا، ويشاهدوا ما تتضمنه متاحفنا من كنوز كبيرة، بينما ربما لا يعرف الكثير من شبابنا أين يقع المتحف الوطني، أو كم عدد المتاحف في بلادنا!! بل ربما لا يعلم الكثيرون أية معلومات عن حصن المنصور بولاية الرستاق، والذي شيده الإمام سعيد ابن الإمام أحمد بن سعيد البوسعيدي عام 1204 هجرية، وهو صرح معماري سامق، وتحفة جميلة تؤكد براعة الهندسة المعمارية العمانية.
والأهم من ذلك المتاحف المفتوحة، وأقصد بها هنا القلاع والحصون الحارات القديمة التي تقدم شهادات حية وملموسة على أن الإنسان العماني بنى حضارة عظيمة في هذه المواقع، وسعى لحماية وطنه من المخاطر الخارجية رغم التضاريس الصعبة ووعورة الطرق في تلك الحقب من الزمان. فمتى يُمكن أن نعزز الزيارات الوطنية لهذه المواقع، وكيف ننمِّي الثقافة المتحفية لدى النشء والشباب وحتى بعض كبار السن، الذين ربما لم تُساعدهم الظروف لزيارة المتاحف.. نعم ربما هذه الفئة تحديدا على دِراية كبيرة بتاريخنا العماني التليد، لكن أيضا ونتيجة لضعف الترويج لهذه المتاحف لم يحظوا بفرصة لزيارتها.
غير أنَّ ذلك لا يثنينا عن ذكر بعض الجهود الإيجابية التي يقوم بها المتحف الوطني، والإدارة الناجحة له، ودليل ذلك ما شهدته السنوات الماضية من زيارات منتظمة للطلاب قبل جائحة كورونا، وغير ذلك من الأنشطة والفعاليات التي تعزز مشاعر الفخر لدى كل مواطن بما تزخر به بلاده من تاريخ ضارب في القدم.
وثمة تجربة أودُّ أن أشير إليها بصفة خاصة، وقد عايشتها بنفسي، عندما تشرفت سابقا بزيارة لمتحف البيت الغربي، في ولاية الرستاق، فهذا المتحف الفريد من نوعه تملكه مواطنة كرست حياتها لهذا المشروع الثقافي البارز، وهي المواطنة زكية بنت ناصر اللمكية؛ حيث حرصت على جمع عدد من المقتنيات الأثرية مثل العملات المعدنية والمشغولات اليدوية وكتب التراث النادرة، وبعض الأدوات المنزلية القديمة، وغيرها الكثير.