"فورين بوليسي" ترصد توقعات الخبراء لـ"مرحلة التحولات"

عالم ما بعد الوباء.. صعود آسيوي بقيادة الصين وانتعاش لاقتصادات المعرفة

◄ الدول تحول ميزانياتها إلى القطاع الصحي بدلا من الإنفاق العسكري

◄ الصحة باتت جزءا لا يتجزأ من الأمن القومي لأي دولة

◄ الصين أكبر دائن في العالم تسعى لـ"السداد التفضيلي"

ترجمة- الرُّؤية

بعد مرور عام على بدء تفشي وباء كوفيد-19 في جميع أنحاء العالم بلا هوادة، بدأت تتجلى ملامح نظام عالمي أعاد الوباء تشكيله، فمثلما دمَّر الفيروس حياة البشر، وعطل الاقتصادات، وغيّر نتائج الانتخابات، فإنه سيُؤدي إلى تحولات دائمة في القوى السياسية والاقتصادية داخل البلدان وفيما بينها.

وفي محاولة لفهم هذه التحولات مع دخول الأزمة مرحلة جديدة في عام 2021، رصدت مجلة فورين بوليسي الأمريكية توقعات عدد من المفكرين الرائدين للنظام العالمي بعد الوباء.

حان وقت القيادة

وقال جون ألين رئيس معهد بروكينجزز ومقره واشنطن إنَّ قلة من الفائزين الحقيقيين- إن وجدوا- سيخرجون من هذه الأزمة الصحية العالمية، ليس لأن المرض كان خارج عن السيطرة، لكن لأنَّ معظم البلدان فشلت في ممارسة القيادة والانضباط الذاتي المجتمعي الضروريين للسيطرة عليه حتى تصبح اللقاحات متاحة.

وأضاف أن كوفيد-19 بات في لمح البصر أحد الضغوط القصوى على نظامنا الدولي الهش بالفعل، وكشف نقاط الضعف، وتضخيم نقاط الضعف، وفاقم المشكلات المزمنة. على المستوى الأساسي، سلطت هذه اللحظة الصعبة الضوء على مدى سوء تجهيز أنظمتنا الصحية العالمية، مما أجبر العديد من البلدان على اتخاذ قرارات أخلاقية مدمرة لتحديد من هم الأكثر استحقاقًا لتلقي الرعاية الطبية من مواطنيهم. علاوة على ذلك، بدلاً من بناء تحالف عالمي متجدد لمكافحة هذا المرض المروع، اعتمدت العديد من البلدان بدلاً من ذلك على سياسات انعزالية. وقد أدى ذلك إلى استجابات مجزأة وغير فعَّالة حيث ارتفعت الحالات مرة أخرى بشكل كبير في جميع أنحاء العالم، وكانت الولايات المتحدة واحدة من أسوأ الأمثلة.

وأوضح أنه في حين أن العلم سينقذنا في نهاية المطاف، فليس ثمة أمل في اتخاذ إجراءات منسقة ضد المرض- وفي التعافي النهائي- دون قيادة.

القرن الآسيوي المتميز

وقال كيشور محبوباني، زميل في معهد أبحاث آسيا بجامعة سنغافورة الوطنية إن الأرقام لا تكذب، حيث إن معدل الوفيات من كوفيد-19 أقل في شرق وجنوب شرق آسيا من البقية. واعتبر محبوباني الأرقام بمثابة قمة جبل الجليد، التي تخفي تحتها الكثير؛ حيث إن الأمر أكثر تعقيداً من مسألة انتقال الكفاءة من الغرب إلى الشرق. وأضاف أن المجتمعات الغربية عُرفت ذات يوم باحترامها للعلم والعقلانية، لكن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب نزع القناع حرفياً عن هذا الوهم.

وتابع أن الغرب اشتهر بالحكم الرشيد، وخاصة الاتحاد الأوروبي، لكن الموجة الثانية القوية من الوباء تؤكد حدوث خطأ ما، معتبراً أن ما حدث هو شعور بالرضا عن النفس؛ حيث افترض الغرب أنه سينجح في هذه المعركة. لكن محبوباني يؤكد أنَّه من خلال تجربتهم السابقة مع الأوبئة مثل سارس، أدركت مجتمعات شرق وجنوب شرق آسيا أنه يتعين عليهم أن يكونوا صارمين ويقظين ومنضبطين.

ومضى قائلاً إنه عندما يبحث مؤرخو المستقبل عن "بداية القرن الآسيوي"، فقد يشيرون إلى كوفيد-19 على أنَّه اللحظة التي عادت فيها الكفاءة الآسيوية إلى الظهور بقوة.

انتعاش الاقتصادات الحرة

وقال كوري شاك مدير دراسات السياسة الخارجية والدفاعية في معهد أمريكان إنتربرايز إن التغيرات الأكثر أهمية ستكون اقتصادية، وسوف تتسع دائرة عدم المساواة؛ لأنَّ أولئك الذين لديهم إمكانية الوصول إلى الرعاية الصحية واحتياطيات رأس المال والوظائف التي يمكن القيام بها عن بعد هم فعليا الفئة الأكثر حظًا. وأضاف أنه من المتوقع إعادة تأميم سلاسل التوريد، أو على أقل تقدير، ستؤدي تجربة الانقطاع الشديد للشركات إلى إنشاء سعة احتياطية وإعادة التفكير في قرارات اختيار مواقع التوريد. ورجح شاك انخفاض الطلب على المواد الخام مع توقف الاقتصادات. وأضاف أنه مع تباطؤ العولمة، ستنهار ربحية مشروع الحزام والطريق الصيني، وستجني الاقتصادات المبتكرة مكاسب هائلة بسرعة بفضل قدرتها على اغتنام الفرص وإعادة تشكيل سوق العمل لديها.

ويرى شاك أن هذه التغيرات ستُحدث عواقب وخيمة على الأمن الدولي، مشيرا إلى أنَّ تكاليف الوباء باهظة لدرجة أنها ستحفز بشكل كبير التعاون الدولي لتحديد وإدارة الأوبئة مستقبلا. وزاد أن الميزانيات الحكومية ستتحول نحو الإنفاق بسخاء على الصحة العامة بدلا من الإنفاق على الدفاع، حيث سيصبح القطاع الصحي جزءًا لا يتجزأ من الأمن القومي لأي بلد. وأضاف شاك أنَّ التوترات المحلية في الدول بسبب زيادة التفاوت في الدخل ستحول الانتباه إلى الداخل، مؤكدا أن الدول التي ستنجح في معالجة عدم المساواة ستوسع التماسك الاجتماعي وقاعدتها الاقتصادية. ومن المرجح أن تطرح التحالفات الأمنية مثل حلف الناتو أهدافًا اقتصادية، مثل موثوقية الإمدادات، لكن من المقرر أيضًا تكثيف الضغط من أجل تقاسم أفضل للأعباء، حسبما أوضح شاك.

ورجح شاك في توقعاته أن تتوقف القوى الصاعدة، في حين أنَّ اقتصادات العالم الحر في وضع يسمح لها بالانتعاش والسيطرة على مجالات نمو جديدة. وقال إن الصين باتت بالفعل أكبر دائن في العالم وتسعى بقوة للحصول على السداد التفضيلي (بحيث يكون لها الأولوية في السداد) من الحكومات المدِينة، مما قد يدفع العديد منها إلى المطالبة بالحماية. وقد يمنح هذا الولايات المتحدة فرصة كبيرة لاحتواء الصين وتنظيم الحلفاء داخل المعسكر الغربي القائم للمؤسسات متعددة الأطراف.

تعليق عبر الفيس بوك