هل الميت يسمع ويبصر؟

طالب المقبالي

muqbali@gmail.com

قبل أيَّام، نشر أحد الزملاء الصحفيين عبر مجموعة واتساب، ترجمةً للدكتور جمال الدباس، أجرتها جامعة ستوني بروك للطب، ومقرها نيويورك، في واحدة من أكبر المفاجآت؛ حيث يقول: "ففي دراسة علمية هي الأحدث والأكثر دقة، تبيَّن لكبار الباحثين فيها أنَّ توقُّف المخ يكون بنسبة تقارب 95 في المائة.. تشمل كلَّ مراكز رد الفعل والمراكز الحيوية الرئيسية كالتنفس والنبض والحركة...وغيرها، لكنَّ مراكز السمع والإبصار على وجه الدقة تستمر في إعطاء إشارات لفترات طويلة بعد الوفاة تجاوزت بضع ساعات".. نفس الإشارات التي تعطيها المراكز للشخص الحي.

الميِّت يسمع ما حوله بكل وضوح، ويرى ما حوله بجلاء تام، لكنه أصبح حبيس نفسه، انعدمت عنده الحركة وردود الفعل، لا يستطيع الرد عليك، ولا يستطيع الحركة تجاهك، لكنه يَراك ويسمعك تماماً كما لو كان حيًّا.

شخصيًّا.. لم أتفاجأ بهذا؛ لأنني منذ طفولتي على قناعة راسخة بأنَّ الميت يسمع من خلال غرس هذا المفهوم في نفوسنا من قبل والدينا وهم من علماء زمانهم رحمهم الله، بأنَّ الأموات يسمعون ويستأنسون بوجودنا، وبعض كبار السن يتأخرون في المقبرة للدعاء، ويقولون بأنَّه يتوجب علينا البقاء في المقبرة لبضع الوقت للتخفيف من وحشة القبر لميتنا، فهو يسمعنا ويسمع خطوات أقدامنا ونحن نغادر المقبرة، يا سبحان الله.

حِينها لم أتنبه لأسأل والديّ عن حقيقة هذا الأمر، أو الدليل الذي يستندون إليه، لأنني مَتيقن من أنهم على صواب كونهم علماء، فربما اطلعوا على شيء من الأدلة العلمية في ذلك.. فكثير من العلوم والحقائق التي نَرَاها اليوم في عالمنا المعاصر، قد ذُكرت في القرآن الكريم قبل أربعة عشر قرناً من الزمن، إلا أنَّنا للأسف لا نصدق الحقائق إلا إذا صدرت بشأنها دراسة من الغرب، فنبدأ في نشرها وتداولها كدليل على ما ورد ذكره في القرآن الكريم، وكأننا نبحث عن دليل بشري يُذكِّرنا بحقيقة الإعجاز القرآني.

فكثير من الحقائق التي وردت في القرآن الكريم وفي السنة النبوية الشريفة، لا أحد يلتفت إليها إلا بعد أن يتحدث عنها أحد من الغرب.

فعلى سبيل المثال: وردتْ دراسة تقول بأنَّ الإنسان يحتاج أن يلصق جبهته بالأرض عند الساعات الأولى من الفجر لتفريغ الطاقة السلبية المحبوسة في الجسم، ونحن منذ أكثر من 1440 سنة ونحن نقُوم بهذا العمل عند صلاة الفجر، ولا أحد يعلم أهمية هذا الأمر.

كذلك استنشاق الماء عند الوضوء يساعد في التخلص من كثير من الميكروبات العالقة في الأنف، ولا أحد يعرف الحكمة من ذلك إلا بعد صدور دراسة غربية في هذا الشأن.

وهناك أمثلة كثيرة منها فوائد عسل النحل والحبة السوداء والثوم والبصل والليمون... وغيرها، والتي ذُكرت فوائدها في القرآن الكريم وفي صحيح الأحاديث النبوية الشريفة.

يقول المترجم: "أثناء قراءة البحث، ومع كل كلمة وإثبات، يحضرني موقف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مع قتلى المشركين في بدر، حين وقف عليه السلام ينادي: يا عتبة بن ربيعة، يا شيبة بن ربيعة، يا أمية بن خلف، يا أبا جهل بن هشام، هل وجدتم ما وعد ربكم حقا؟ فإني قد وجدت ما وعدني ربي حقا". فقال سيدنا عمر بن الخطاب -رضي الله عنه: يا رسول الله أتنادي أقواماً قد جيفوا؟!! فقال عليه الصلاة والسلام: والذي نفسي بيده ما أنتم بأسمع لي منهم، غير أنهم لا يجيبون".

فهناك العديد من الحقائق العلمية في القرآن الكريم لم يكتشفها العلماء إلا حديثاً من خلال البحوث والتجارب بواسطة الأجهزة الحديثة؛ بدليل قوله تعالى: "سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ"؛ بمعنى أن الله سبحانه وتعالى سيمكن الإنسان من الاكتشافات، ولكن بالتدريج، ولو مكَّن الله تعالى الإنسان من الاطلاع على كل شيء لما استطاع عقل البشر تحمُّل هذه المعجزات دفعة واحدة، وما تم اكتشافه فهو جزء يسير من الحقائق.

وفي خضم المعلومات والمكتشفات الكثيرة، لا يزال هناك الكثير من الإعجاز والحقائق التي لم تكتشف بعد، بدليل قوله تعالى: "وَیَسـَٔلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِن أَمرِ رَبِّی وَمَاۤ أُوتِیتُم مِّنَ العِلمِ إِلَّا قَلِیلࣰا".

إنَّ الخوضَ في هذا العالم كبير وواسع ولا يستوعبه مقال من بضع كلمات، ولكن من الواجب علينا تسليط الضوء عليه، وتبيانه للناس كي يعلموا عظمة الخالق سبحانه وتعالى، فالقرآن الكريم يحمل الكثير من الإعجاز لمن يقرأ القرآن بتدبُّر.