"قمة مسقط" و"الاقتران العظيم"

خالد بن الصافي الحريبي

في هذه الأيام نودع عامًا مُدبرا ونستقبل عامًا مُقبلا بفرص واعدة بمشيئة الله تعالى. ويحتفي مئات الملايين من إخوتنا في الكتاب والإنسانية بذكرى ميلاد سيدنا المسيح عيسى بن مريم عليه السلام، حيث جاء في الذكر الحكيم (وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا) صدق الله العظيم، سورة مريم الآية 33.

وبما أنَّه كان لكل أمة استُخلفت في الأرض رسالة فإنَّ رسالة الأمم المُطمئنة هي الاهتداء بنهج الصالحين في إفشاء السلام والخير مهما بدت الأوضاع الراهنة ميؤوس منها؛ لأنه لا ييأس من السلام والخير إلا الأمم التي لم تستوعب عِبَر التاريخ. فعلى الرغم من أنَّ العام 2020 شهد نقضا لاتفاقيات سلام إقليمية واستنزافًا لخيرات المجتمعات في حروب تقليدية وغير تقليدية وعمليات عدوانية استخباراتية تستغل الاختراق الإلكتروني والطائرات من غير طيار إلا أنَّ الأمل في الأمم الآمنة المطمئنة والتي يمكن أن نُعد عُماننا الحبيبة إحداها والتي نجحت لقرون طويلة في الحفاظ على استقرارها دون الحاجة للعدوان أو التدخل في شؤون الغير، ويشهد لهذا اتفاقيات التعاون منذ عهد الملكة العُمانية شمساء وأباطرة الإمبراطورية الأكادية قبل حوالي 4000 عام.

وعودة لما تقدم في هذا المقال حول السلام والخير أطرح لكم في هذا الصدد تحليلًا متواضعًا لما تعتزم إدارة الرئيس الأمريكي المنتخب الـ46 جو بايدن عقده ويتمثل ذلك في إقامة قمة الديمقراطية خلال العام 2021، والتي تهدف إلى مُواجهة تحديات القرن الحادي والعشرين وإعادة الاعتبار إلى أهداف السلام المشتركة بين دول العالم، وإيقاف تراجع الديمقراطية حول العالم. لذا فقد يكون من المفيد الوقوف على بعض المحاور مثلاً: ما هي خلفية الدعوة لقمة عالمية للسلام؟ ومن هم أنسب الشركاء لضمان تحقيق غايتها؟ وما هو دورنا كبشر في إنجاح مثل هذه الجهود الخيّرة؟

قمة الديمقراطية.. المآخذ والفرص الممكنة

في رؤيته المُعلنة عن السياسة الخارجية الأمريكية عبر الرئيس الأمريكي المنتخب عن عزمه عقد قمة تحاول إصلاح ما أفسده دهر سلفه، وذكر هذا في مقال له بعنوان- لماذا على أمريكا أن تقود مرة أخرى؟ وما لبثت مراكز الأبحاث والدراسات حتى نالت من جدوى عقد هذه القمة وما تفتأ تحاول أن تثني الرئيس بايدن عن عزمه. وعلى الأغلب فإنَّ خبرة بايدن لخمسين عاماً كقائد سياسي مُحنك ستكون هي الغالبة في نهاية المطاف. ومن المآخذ على القمة المُزمعة هو عدم وضوح تعريف الديمقراطية مما يُثير المحاذير لدى الكثير من دول المنطقة التي تؤمن بنظريات المؤامرة وتستنزفها الصراعات بالوكالة وانخفاض أسعار الطاقة والأوبئة. كما أن بعض القوى العظمى كروسيا والصين تنظر للولايات المُتحدة الأمريكية على أنها الرجل المريض، كنظرة القوى العظمى للإمبراطورية العثمانية قبل أفولها ولذا فإنِّها من المرجح أن تقاوم أي محاولة أمريكية لاستعادة هيمنتها على السياسة الدولية. بل إنه حتى الدول الحليفة لأمريكا مثل إسرائيل قلبت لها ظهر المِجَن وأصبحت عبئاً على ميزانية أمريكا وتنفذ عمليات عسكرية واستخباراتية استباقية وضعت إدارة بايدن في موقف لا تُحسد عليه. وعلى الرغم من هذه المآخذ فإنِّه لا خيار للإدارة الجديدة إلا المضي قدماً في عزمها حتى تثبت للداخل الأمريكي أنها توفي بوعودها وأخذت الحكم بقوة وتثبت للخارج أنها لا زالت بخير. ولأنه في ظلام هذه المآخذ يفتقد العالم بدر الأمم المطمئنة فإنه جدير بنا الأخذ بعين الاعتبار قيمنا الراسخة في الجنوح نحو السلم، وقطف ثمار غايتها في تحقيق الاستقرار الاقتصادي والسياسي والاجتماعي في حالة شاركنا بقوة في إنجاح أول اختبار عالمي للإدارة الأمريكية الجديدة.

قمة مسقط للسلام الرقمي "Muscat Digital Peace Summit"

من المحيط الهادئ شرقاً لغاية المحيط الأطلسي غرباً لا يوجد شريك أنسب من السلطنة لقمة السلام المذكورة ولتهيئة المناخ المُناسب لأهم سلام قد تسهم هذه القمة في تحقيقه وهو السلام الرقمي، أو السعي نحو موثق عالمي للحد من استغلال التكنولوجيا في الإضرار بالدول المتعاهده. وهذا السلام الرقمي هو أضمن سبيل لحماية البشرية من شرور بعض أنفسها، ومرد ذلك أننا نشهد تقدماً معرفيا وتكنولوجيا متزامنا لم نشهد له مثيل جاء معه الكثير من الخير، كلقاح لكوفيد-19، وجلب معه أيضًا الكثير من الاختراقات الإلكترونية والهجمات السيبرانية التي تهددنا اقتصادياً ومالياً وعسكرياً وأمنياً وصحياً وتعليمياً وأخلاقياً. ومن المقومات التي تعزز مصالح السلطنة في إنجاح التعاون مع الولايات المتحدة الأمريكية في تركيز جهود القمة المزمعة لتركز على السلام الرقمي لتحقيق أول هدنة عالمية تمكن دولنا من السعي لتجاوز آثار وباء كوفيد-19، والاستفادة من استضافة السلطنة للمركز العربي الإقليمي للأمن السيبراني بالتعاون مع الدول الشقيقة والصديقة، وموقع السلطنة الجغرافي الوسطي الذي يعتبر نقطة التقاء بعض أهم كابلات الاتصالات التي تضمن التواصل السلس بين مناطق العالم. قد يكون الأهم من هذا كله هو تغليب صوت الحكمة حول العالم ومن أوتي الحكمة من دول هذا العصر فقد أوتي خيرا كثيرا.

الاقتران العظيم والحكماء الثلاثة

ولأننا شهدنا قبل بضعة أيام حادثة فلكية نادرة يقترن فيها كوكبا زحل والمشتري فيما يسمى بالاقتران العظيم فهذا يذكرنا بقصة أول من بشَّر بميلاد المسيح عليه السلام، وهم ثلاثة حكماء وعلماء فلك يمثلون حضارات العالم القديم وهم ملكواير وكاسبر وبالتازار، ممثلين شبه جزيرة العرب وفارس والصين الهند. فعندما شهد الحكماء الاقتران العظيم رأوا فيه علامة على حدث جلل وبشروا الملك في القدس وتبعوا العلامات جنوباً نحو بيت لحم وحملوا أثمن هدايا العالم في ذاك الوقت من اللبان والذهب والمر للمولود المبارك. وكما في الماضي تمثل هذه قصة هؤلاء الحكماء اليوم تطُلع الإنسانية للحكماء أن يبشروا ويقودوا جهود الخير والسلم، وفي هذه الأيام التي شهدنا فيها الاقتران العظيم نأمل أن يراه حكماء وقادة عصرنا كرسالة سماوية تدعونا لحمل أمانة تاريخية تعين وتعاون على تحقيق السلام مهما كانت المآخذ. وكما أهدت عُمان اللبان هدية سلام عبر العصور وفقنا المولى عزَّ وجلَّ ليدين علينا نعمة إحذائه للإنسانية دومًا، وأن يجعل كل جهودنا مباركة أينما حللنا ويجعل أعوامنا كلها خير ورضا وسلاما إنِّه على كل شيء قدير.