الدقم.. مركز إقليمي للطاقة النظيفة

حاتم الطائي

◄ 1.7 مليار ريال من مشاريع البنية الأساسية قادرة على جذب استثمارات عديدة

◄ إنتاج الطاقة من الهيدروجين الأخضر يفتح الباب أمام مستقبل مشرق للطاقة المتجددة

◄ الشمس والرياح من المصادر المستدامة للتوسع في إنتاج الطاقة النظيفة

تتفرَّد الدقم بميزات لا تتوافر في أي بُقعة على أرض عُماننا الحبيبة؛ فإضافة إلى الأهمية الإستراتيجية الكبرى لموقع السلطنة الحيوي، الذي يتوسَّط أكبر قارتيْن من حيث عدد السكان (آسيا وإفريقيا)، بجانب الإطلالة المميزة على 3 بحار بالغة الأهمية (الخليج العربي، وبحر العرب، وبحر عُمان)، علاوة على المحيط الهندي الشاسع، إلا أنَّ الدقم تظلُّ تملك خصائص لا مثيل لها بين دول المنطقة، لا سيَّما وأنَّ المنطقة الاقتصادية الخاصة في الدقم تتمدَّد على بنية أساسية تجاوزتْ تكلفة إنشائها 1.7 مليار ريال، وهذا رقم ضخم، يعكسُ المستوى المتقدِّم الذي تحظى به هذه النقطة الفريدة بين نظيراتها.

وإبراز ماهيَّة وطبيعة الدقم رُبَّما يحتاج لسلسلة من المقالات، ومن عدم الإنصاف اختزالها في فقرات معدودات؛ لذلك أسلِّط الضوء من خلال هذه السطور على جانب مما تتمتع به الدقم من ميزات عدة، وكيفية الاستفادة من هذا الجانب في دعم اقتصادنا الوطني من مُختلف النواحي. فخلال الأسبوع الماضي، أُمِيط اللثام عن المشروع المشترك لشركة أوكيو ومجموعة ديمي البلجيكية، لتنفيذِ أوَّل مصنع لإنتاج الهيدروجين الأخضر في السلطنة، والذي سيتَّخذ من الدقم مقرًّا ومُنطلقا لتوليد الطاقة النظيفة، ومن ثمَّ استخدامها محليا ثم التوسع في تصديرها لاحقا.

وهذا المشروع الكبير يخدم العديد من الأهداف الإستراتيجية لوطننا؛ الأمر الذي يدفعنا للتطلع لأن تكون عُمان مركزًا إقليميًّا للطاقة النظيفة؛ فما يتوافر على أرضنا من مصادر للطاقة المتجددة والبديلة، كفيلٌ بأن يجذب العديد من الاستثمارات، خاصة في ظل التسهيلات المقدَّمة للمستثمر الأجنبي، وما نَحظَى به من استقرار سياسي وعلاقات دبلوماسية متميزة مع مختلف دول العالم. لذلك؛ لا أرَى ما يُعيق أن نتحوَّل لدولة مركزية في إنتاج هذا النوع من الطاقات، كلُّ ما نحتاجه هو استثمار مواردنا المحلية الاستثمار الأمثل، وتوجيه الجهود نحو استقطاب رؤوس الأموال، وزيادة الاعتمادية على الكوادر البشرية والإمكانيات الوطنية؛ وعلى رأسها: "مركز عُمان للهيدروجين"، الذي تحتضنه الجامعة الألمانية للتكنولوجيا في عُمان "جيوتك"؛ وهو المركزُ البحثيُّ المرموق الذي افتُتِح مطلع العام الجاري، لدعم جهود الجامعة لمواكبة التحول الاقتصادي العالمي لإنتاج الطاقة الخضراء. وهذا المركز فريدٌ من نوعه في السلطنة، ويعدُّ مركزَ أبحاث رفيعَ المستوى، يجمعُ تحت مظلته خبراء ألمان وباحثين عُمانيين، ويضع في أعلى قائمة أولوياته تسريع وتيرة إنتاج الطاقة الخضراء عبر الهيدروجين، ودعم نمو الناتج المحلي الإجمالي من هكذا صناعات.

وممَّا يؤكد أهمية مركز عُمان للهيدروجين، أنه يستهدف إعداد البحوث المرتبطة بإنتاج الطاقة النظيفة، وسيعمَل كبنك للمعلومات البحثية المرتبطة بهذه الصناعة المستقبلية؛ من خلال طرح أفكار وحلول تعزِّز استدامة الاقتصاد، وتوسيع نطاق استخدام الطاقات البديلة في مختلف القطاعات الاقتصادية. وتنبُع أهمية إنتاج الطاقة من الهيدروجين الأخضر، مما يؤكد عليه الباحثون والعلماء في هذا المجال، حيث إنَّ السلطنة تعد واحدة من أفضل المناطق في العالم لإنتاج الهيدروجين. وعندما شرُفتُ بحضور حفل افتتاح مركز عُمان للهيدروجين في يناير الماضي، استمعتُ جيدا إلى ما ذكره أولاف كارلسن مؤسِّس شركة هيدروجين رايز الألمانية، وهو أحد الخبراء الألمان في هذا المجال، حيث قال إنَّ دراسة أجرتها جامعة ميونيخ الألمانية تتوقَّع أن تُدِر الصَّادرات العمانية من الهيدروجين ما يزيد على 20 مليار دولار، بحلول العام 2050، وهو ما يُؤكد الآفاق الواعدة لهذه الطاقة، وأنها بديل مستدام يعود بالنفع على اقتصادنا الوطني. ومما أكد عليه الخبير الألماني أيضا قوله: إنَّ دول الاتحاد الأوروبي مُستعدة لشراء كميات الطاقة الناتجة عن الهيدروجين، وهذا ليس بغريب؛ فأوروبا ومع تزايد الأضرار التي لحقتْ بها مع التوسُّع في المشاريع الصناعية، تُسَابِق الزمن لتبني الطاقة الخضراء كبديل دائم ومستدام لمصادر الطاقة لديها، فخلال عقود قليلة، لن تَشتري أوروبا مُنتجات الوقود الأحفوري، بل ستتَّجه كليًّا إلى الطاقة النظيفة.

والتحوُّل لمركز إقليمي للطاقة النظيفة يُترجم إستراتيجية السلطنة لتعزيز الاستثمار في موارد الطاقة المتجددة والطاقات البديلة، والتي تهدف لرفع إسهامات الطاقة المتجددة في إنتاج الكهرباء إلى معدلات طموحة، تتجاوز على الأقل خلال السنوات الخمسة المقبلة، نسبة 25%، ومن ثم ترتفع تدريجيا لتصل إلى 30% بحلول العام 2030. لذلك؛ نرى ربطًا مهمًّا وأساسيًّا بين هذه الإستراتيجية الواعدة والرؤية المستقبلية "عُمان 2040"، فكلاهما -أي الإستراتيجية والرؤية- ترتكزان على قاعدة الاستفادة من المقومات والموارد التي تزخر بها السلطنة؛ فالأمر لا يتوقَّف وحسب عند طاقة الهيدروجين، بل يتعداه إلى طاقة الرياح والطاقة الشمسية، وهذان الموردان يتوافران في بلادنا، ومنذ النصف الثاني من 2019 ومحطة ظفار لطاقة الرياح بدأت عملية إنتاج الكهرباء النظيفة، دون انبعاثات كربونية أو ممارسات ضارة بالبيئة.

وكذلك الحال بالنسبة للطاقة الشمسية، التي يجب أن نَنظُر إليها باعتبارها مصدرا حيويا للغاية لتوليد الكهرباء، بفضل ما ننعَم به من مساحات كبيرة من الأراضي التي تسطع عليها الشمس كل صباح، ولمدة تقترب من 12 ساعة يوميا؛ فمثلا ما تحقَّق من إنجاز في ولاية عبري مع افتتاح محطة "أمين" لتوليد الطاقة الكهروضوئية في نهاية مايو 2020، يُمثل أنموذجًا يجب أنْ نَحتَذي به في مشاريع أخرى مماثلة؛ فتلك المحطة التي تبلغ طاقتها 100 ميجاواط، تمثل نقطة ارتكاز لمشاريع الطاقة النظيفة، ومنطلقا نحو التوسع في مشاريع جديدة بمختلف ولايات السلطنة.

الحكومة من جَانبها، بذلتْ الكثيرَ من الجهود لأجل تعزيز الاستثمارات في الطاقات البديلة، في صورة تشريعات وقوانين جديدة تدعم هذا التوجه، أو من خلال الترويج للمقومات الكفيلة بإنتاج هذه الطاقة. فقد صدر في يوليو الماضي المرسوم السلطاني القاضي بانضمام السلطنة إلى التحالف الدولي للطاقة الشمسية؛ في خطوة نراها مهمة وضرورية؛ كي تتمكن السلطنة من الاستفادة من مزايا الانضمام لهكذا تحالف، فعِوَضا عن مشاركة الأبحاث وأحدث النتائج العلمية، يُساعد هذا التحالف في تسليط الضوء على إمكانيات السلطنة لإنتاج الطاقة الشمسية، ومن ثم جذب الاستثمارات، إلى جانب تبادل الخبرات والتوافق حول الرؤى والأهداف المستقبلية مع الدول الأعضاء.

وختامًا.. إنَّ تحقيق التطلعات ليس بالأمر العسير، لكنَّه من المؤكد يتطلب بذل الجهود، بل وتضافرها، وتحويل الدقم إلى مركز إقليمي للطاقة النظيفة مشروع طموح في ضوء الإمكانيات الواعدة بهذه المنطقة الاقتصادية، وتطلُّع منشود إذا ما نجحنا في جذب الاستثمارات، ليس علينا سوى العمل ومواصلة المساعي، فعُمان تستحق أن تكون في صدارة الدول المُنتجة للطاقة النظيفة.. وهذا بأيدينا نحن.