احذر أن تكون آلة نسخ!

أم كلثوم الفارسية

ما أن نصير آباءً وأمهات حتى يُصبح هم تربية أبنائنا الهم الأول؛ حيث لا ندخر مالاً ولا جهدًا في سبيل تلبية احتياجاتهم ومساعدتهم على تحقيق ذواتهم بصورة تضمن لهم توازناً محموداً بين الغريزة والعقل والعاطفة.

فنحن وفي طريق تكويننا لأسرنا الصغيرة في الحقيقة نمنح العالم بذرة نسعى لأن تكون خيرة غير ضارة... مصلحة غير مُفسدة فإن نحن أحسنا غراسها تصبح غرسة خضراء نافعة أصلها ثابت وفرعها في السماء ..وإن نحن أهملناها أصبحت وبال شر علينا وعلى العالم أجمع.

نعم إنَّ التربية  ليست بالأمر الهين.. فهي دورك في أن تضع بصمتك الخاصة وأسلوبك الفريد في شخص تقدمه للبشرية. لذلك نجد أنَّ التربية أخذت حيزًا كبيراً في الاستراتيجيات الوطنية لشعوب العالم حيث يتم وضع الميزانيات والخطط  المدروسة لتوجيه هذا الناقل الحضاري للأنماط والسلوك من جيل لآخر.

حين تُقرر أن تبني أسرة ..يجب أن تضع نصب عينك المسؤولية المُلقاة على عاتقك فالتربية ليست شراً لابد منه بل هي قرار واختيار وبما أنك أخترت الأسرة، فبذل مجهود يُشكل فارقاً في حياة الجيل الذي بين يديك.

فمن المؤسف حقاً أن يتناسخ معظم الناس طرق تربيتهم لأبنائهم من آبائهم فقليلون هم الذين يقضون وقتاً كافياً لاكتشاف ما يناسب أطفالهم سواء بالنسبة لطرق التَّواصل ..أو طرق التعبير عن المشاعر أو  حتى طرق العقاب.

والخطير في الأمر أنَّ توارث طرق التربية  واستنساخها من جيل لآخر بدون مُراعاة التغييرات العالمية وعدم الأخذ في الحسبان اختلاف الاحتياجات النفسية والعاطفية لكل جيل عن الجيل الذي سبقه يجعلنا ندور في حلقة مفرغة من القيمة المضافة، الأمر الذي يجعل جهودك المنسوخة تنتهي بلا شيء جديد بل على العكس ربما يكون ثمرة تربيتك غير مُناسبة لمتطلبات الجيل الذي وجدت فيه فتبقى تعاني بقية حياتها التأخر والتخلف عن الركب الذي من المفترض أن تسايره وتشعر بالانتماء إليه.

 ومن خلال خبرتي المتواضعة فإننا نصنع جيلاً مشوّهاً لا يشبهنا ولا يشبه نفسه حين نُقرر نحن الآباء نسخ طرق التربية القديمة التي تبدو جميلة بالنسبة لنا ولكنها في الحقيقة بعيدة كل البُعد عن احتياجات الجيل الحالي لأنها لم  تراعِ القاعدة التربوية التي تنسب للفيلسوف سقراط: "لا تكرهوا أولادكم على آثاركم، فإنهم مخلوقون لزمان غير زمانكم، "فاحذر أيها الصديق أن تكون آلة نسخ!!

فدورك التربوي لا يتوقف عند هذا المستوى أنت في الحقيقة عنصر فاعل في تعديل وتحسين الإنتاج البشري فإن لم تزد عليه شيئاً كنت عبئاً عليه.

تعليق عبر الفيس بوك