رفقا بالمواطن

 

 

ناصر بن سلطان العموري

abusultan73@gmail.com

لا صَوْت يعلو في الوقت الحالي على صوت رفع الدعم عن قطاعي الكهرباء والمياه اعتبارا من يناير 2021؛ فقد ضجَّت مواقع التواصل الاجتماعي فور صدور الخبر واصبح الموضوع حديث الساعة، وحقيقة كان هذا الأمر متوقعا بعد السياسات التقشفية التي اتخذتها الحكومة خلال المرحلة الماضية.

لكن لم يكن أكثر المتشائمين يتوقع صدوره بهذه السرعة، نعم البلد يمر بأزمة والأسباب واضحة لا تخفى على لبيب، غير أنَّ المؤلم أن القرار يتعلق بأمور أساسية لدى جميع فئات الشعب كالماء شريان الحياة والكهرباء زينة هذا العصر، وهذا ما رآه الكثيرون أنه غير مقبول من جانب بلد عدد شعبه ليس بتلك الكثافة، وكان بالإمكان أفضل مما كان، من خلال إيجاد حلول أخرى مثل إلغاء بعض الشركات الحكومية غير الربحية التي تُحمِّل ميزانية الدولة مبالغ طائلة لا طاقة لها بها، أو دمجها أسوة بما حصل لدى بعض الجهات الحكومية وتقليل امتيازات رؤسائها التنفيذيين وكبار المسؤولين في الدولة، فهم أيضا من الشعب ويجب أن تكون الأولوية في تطبيق سياسات التقشف عليهم عِوضاً عن المواطن الكادح الذي ينتظر ويترقَّب الراتب آخر كل شهر بفارغ الصبر. ومما جعل لقرار رفع الدعم صدى كبير تزامنه مع قرارات أخرى لا تقل أهمية؛ منها خروج عدد كبير من الموظفين للتقاعد وبشكل مفاجئ دون إشعار مسبق؛ لدرجة أن البعض لم يستطع ترتيب أوضاعه المالية والحياتية؛ خصوصا بعد تأخر الترقيات، ولذات الأسباب.. ولا ننسى كذلك تطبيق ضرائب عديدة دفعة واحدة وأقربها فيما يخص الاحتياجات الأساسية لكل بيت من المواد الغذائية، فمن أين للمواطن المسكين أن يتحمل كل هذا؟ وكما يُقال في المثل العامي "خلوه يتنصخ" (أي يتنفس)؛ فقد كانت القرارات تأتي تباعاً دون هوادة.

لنكن جريئين في الطرح قليلا ولنبتعد عن الحياد الإعلامي، ولنتكلم بصيغة أننا كلنا مواطنون نشعر بنفس المعاناة ويعتصرنا الألم ذاته، فحقيقة الأمر الذي يعلمه الجميع ويتجنبون ذكره علانية أنَّ ما يحصل حاليا ويدفع ثمنه المواطن هو نتيجة إرهاصات للوضع السابق الذي أوصل البلد لهذه المرحلة، فماذا زرعنا نحن بالأمس لكي نحصده اليوم؟! لقد نادى باني نهضة عُمان الحديثة السلطان الراحل قابوس بن سعيد -طيب الله ثراه- خلال سنواته الأولى عند تولي مقاليد الحكم بتنويع الاقتصاد ومصادر الدخل، وتمَّ صرف الأموال في سبيل ذلك على مدار سنين عديدة، لكن المحصلة والنتيجة تكشفت الآن؛ حيث لا توجد إيرادات كافية ترفد ميزانية الدولة سوى النفط غير الثابت والمتقلب في أسعاره دائما، فأين هي الشواطئ البكر المليئة بالخيرات؟ وأين استثمار المواقع السياحية الخلابة التي يزخر بها بلدنا؟ وأين الصناعة العمانية التي يحتفي بها كل عام؟ بل أين موارد البيئة الجيولوجية العمانية وما تزخر به من معادن نفيسة.. هل كانت كلها سراب؟!

... إنَّ غياب الشفافية والمحاسبة من أبرز الأسباب التي أدت لتفاقم الوضع الراهن، مع ضعف دور المؤسسات المنتخبة؛ فمجلس الشورى غير قادر على القيام بدوره الرقابي بصفته مجلس أهلي منتخب، وكل هذه الأمور إن استمرت -وهذا ما لا نتمناه- لن تخدم خطط التنمية، خاصة في ظل الاستقطاع المستمر من جيب المواطن، تزامنا مع ظهور قضايا عديدة قد تؤثر سلبا مستقبلاً مثل قضية المُسرحين الذين انضموا لقوائم الباحثين عن عمل وهذه قضية بحاجة لعصا موسى لحالها!

باختصار.. المواطن يجب أن يدعم الدولة في قراراتها شاء أم آبى، وهذا واجب وطني لا يقبل النقاش، لكن المطلوب -بل والمفترض- أن يتم تخفيف العبء عن كاهله، وألا يُحمل ما لا طاقة له به، فهو ما إن تُسد عليه نافذة حتى تنفتح عليه نافذة أخرى أشد وطأة.. فهل يا تُرى سوف ينفتح له باب الصبابة والهواء العليل قريبا؟! هذا ما نتمناه.. فالصبر مفتاح الفرج.