الشركات الحكومية والحاجة للشراكة.. لماذا؟!

عبدالله العليان

كُلنا يعلم أن بلادنا عندما بدأت نهضتها الحديثة في العام 1970، لم يكن هناك قطاع أهلي قوي وفاعل في بلادنا، ويعتبر شبه معدوم بالقياس إلى القطاع الخاص الراهن، بعد خمسين عاما على هذه النهضة، فتحمَّلت الدولة أعباء التأسيس للبنية الأساسية التي كانت تفتقر إليها البلاد في شتى المجالات؛ سواء من خلال جهود القطاع العام، أو من استجلاب شركات ومؤسسات من خارج السلطنة التي تملك الخبرة اللازمة، وقد كانت هي الأغلب في نشاط الأعمال التي تعد من أركان البنية للبلد، وقد كانت كلها بدأت من الصفر، كون السلطنة كانت قبل النهضة تعاني من ظروف اقتصادية وسياسية كبيرة، أعاقت بلادنا لعقود طويلة سابقة، وكل العمانيين وجيرانهم يدركون هذه الظروف وإشكالاتها السابقة.

لذلك؛ فإنَّ القطاع الخاص العماني تأخر عن التأسيس لتلك الحقبة الماضية، وبدأ عند تأسيسه بالمشاركة مع الشركات الأخرى من خارج السلطنة، خاصة قطاع المقاولات، وقطاع البناء، واستعان بهذه المؤسسات والشركات الكبيرة، واستفاد من خبراتها الكثير، ومع نهاية الثمانينيات وبداية التسعينات، بدأ القطاع الأهلي العماني يملك القدرات والكفاءات الوطنية، ومن الخبرات الخارجية، وأصبح يدخل في مناقصات كبيرة ومهمة في كل القطاعات، وهكذا اشتدَّ عُود هذا القطاع، ونجح بعد الممارسة العملية بعد عقدين تقريباً، وفكرت الدولة في أن تسند إليه بعض المؤسسات في القطاع العام بموجب عقود واتفاقيات لإدارتها، وفعلا بدأت هذه الشراكة أو إشراك القطاع الوطني الأهلي في إدارة العديد من المؤسسات، وبعد انتهاء شراكة السلطنة مع طيران الخليج تم تأسيس الشركة العمانية للطيران، وتم إشراك القطاع الخاص في ذلك، بنظام 51% للحكومة و%49 للقطاع الخاص، وحققت نجاحا رائعاً خلال تلك السنوات التي تمت فيها الشراكة.

ولم نسمَع بأية خسائر أو معوقات تُذكر من نشاطها كشركة طيران دولي، وكذلك تم إشراك القطاع الخاص في إدارة مؤسسات وشركات أخرى بنسب أخرى متفاوتة وبعقود لإدارتها، والهدف من ذلك: دعم إشراكه في أن يلعب -القطاع الخاص- دوره ومهمته في الجانب التجاري، مع إشراف الحكومة ضمن نظام الشراكة الموقعة؛ باعتبار أنَّ هذا القطاع ممارس فاعل في الجانب التجاري، وداعم له لتحقيق وإنجاح هذه المشاركة، والتخفيف على ميزانية الدولة من أعباء كما قيل في ذلك الوقت؛ حيث إنَّ الدولة لها مهام أخرى في المشاريع في البنية الأساسية وغيرها.

وكما أشرت، فإن هذا التوجه حقق بالفعل نجاحاً مهمًّا لهذه المؤسسات والشركات العامة، واستفادت الدولة أيما استفادة من هذا التوجه، في مسألة الشراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص؛ سواء من تحديد نسب محددة للقطاع الخاص فيها، أو من حيث جعلها تعمل على أسس تجارية، مع وجود الصفة الحكومية، وأتذكر أن بعض المسوؤلين في الطيران العماني، صرح في فترة الشراكة، وبالتحديد عام 2005، عن أرباح للشركة العمانية للطيران، تقدرها بعدة ملايين من الريالات العمانية، وهذا بلا شك يعتبر نجاحاً كبيراً للشراكة القائمة آنذاك بين القطاعين.

لكن الأمر لم يسر بنفس الوتيرة التي تمت بعد التأسي، وقد أشرت في مقالة سابقة إلى هذا الأمر، ففي العام 2007 قامت الوزارة المعنية بشراء الحصص المملوكة للقطاع، وإعادة ملكية الحكومة في شركة الطيران العماني مع نسبة ضئيلة لإدخال الصفة الخاصة، ودفعت الدولة 50 مليون ريال عماني للطيران العماني لتأخذ الحكومة النسبة الأكبر من الأسهم في الشركة، ووصلت نسبتها تقريباً إلى ما يقرب من 99% من الأسهم، بحسب ما نشر آنذاك، وأيضا تم إنهاء الاتفاقات مع الهيئات الأخرى التي تم تخصيصها لبعض نشاطاتها! وهذا الأمر لا نعلم كيف تم اتخاذه؟ وهل تم وفق دراسة جيدة ومستوفية الشروط لإنجاح هذا التوجه؟ ولماذا تراجع عن الكلام الذي سمعناه عن أهمية الشراكة، وتعزيز دور القطاع الأهلي الوطني، وتخفيف الأعباء على الحكومة، لمهام ومسؤوليات أخرى؟

وبعدها بسنوات ظهرت المعلومات أن شركة الطيران العماني تعاني من الخسائر المتتالية، وتم الحديث عنها في مجلس الشورى؛ من خلال وزير النقل والاتصالات آنذاك، كرئيس مجلس إدارة هذه الشركة، وقد قدرت بمئات الملايين من الريالات، وبعضها يقال ما يزيد على مليار ريال! ويتم تقديم الدعم لهذه الشركة من ميزانية الدولة، وهذا عبء تتحمله الحكومة، وينعكس على المواطن البسيط في ارتفاع أسعار وضرائب وغيرها من الأعباء؛ لذلك ما نطلبه من الجهات المسؤولة ومجلس الوزراء أن يُعاد النظر في الشركات الحكومية التي تكلف الدولة، سواء برواتب عالية، أو بسوء إدارة، أو بخسائر مكلفة.

وقد قرأنا قبل أيام أن جهاز الاستثمار العماني أعلن أن مديونيات الشركات الحكومية تقدر بـ9 مليارات ريال!! وهذا مبلغ كبير، ربما يوازي ميزانية الدولة في عام، وهذه المديونيات عليها فوائد من شركات ومؤسسات مصرفية.. فالذي نريد قوله هو أن الحاجة أصبحت ماسة للشراكة بين القطاع الخاص وتلك الشركات، خاصة التي تكلف الدولة أعباءً، فدول العالم الآن بدأت تتخلص من القطاع العام في المؤسسات ذات النشاط المجتمعي ومنها حتى الدول الاشتراكية، وأعطت للقطاع الخاص هذا الدور، وهذا ما برز من التجارب الاقتصادية في كل العالم.

إنها رسالة لمن يهمه الأمر.