حينما لا تمتلك إلا نصف الصورة.. فلا تدعي معرفة الحقيقة!

 

 

هود بن محمود الدغيشي

 

لستُ هُنا لأتطرّق للقضية الأصلية التي حدثت، وليست هي القضية الوحيدة التي حَدثت..

#كلنا_محمد_اللواتي

#وداعا_زوينة

بعيداً عن تأجيج العاطفة وإعمائها للرؤية التحليلية للأحداث، فهناك غُلو بالغ في التعامُل مع هكذا قضايا.. غُلو للمؤيدين وغُلو للمعارضين، حتى تتبخر القضية الأصلية، وتصبح حرباً بين من يُؤيد فكرة الالتزام بمسطرة المُجتمع وبين من ضاق ذرعه ويود أن يَلوي ذلك المسطر الجائر.. وفي الأصل المجتمع هو الجميع.. المؤيد والمُعارض، أنتم المجتمع..

والحرب هي خسارة الجميع، أظن لغة الحوار والتفاهم والنقد الرزين هي الأنسب، فالصوت الحكيم يصل ولو خافتًا، والصوت الفارغ لو كُبّر بأكبرِ مایکروفون سيظل فارغاً ولن يسمع..

إنَّ محاولة جعل الشخص عدو المجتمع.. بينما هو جزء من المُجتمع، فالنقدُ ضرورة لامهربَ منها، وإن كان في زلّة الإنسان أثناء ألمه ووجعه خطأ فكلنا نخطئ.. ونتراجع عن بعضِ الزلّات..

فإذا كان البيتُ الواحد يخرجُ منه إخوة مختلفين فيهم الصالح والطالح، فيهم الضابِطُ والمُهرّب، فيهم القاضي والمُجرم المسجون.. فكيف ببقعة أرضٍ مساحتها 309,501 كم مربع؟!

النقدُ ليس تشويهًا.. النقدُ إصلاح.. ولولا النَقد لما وضعت الحضارة قدمها وساقها على عتبات المُستقبل، ولتوقفت عجلة التقدّم عند مؤخرة الكهفِ الحجري.. النقدُ لا يُعجب.. لأنه يُصادمُ الأهواء السائدة، ويُعكّر صفو الوهمِ المُرتشف والنرجسية المُتهافتة، النقدُ یکسرُ صُلبان الكِبر والتعالي، ويُعرّي المسامات الشاحبة في أصنافِ العقودِ الغابرة حين تُشكَل بحسبِ السائدِ والمُتعارف.

فلماذا التنمر والتشويه؟

لستُ أكترث لمن يعتنق "تَقديس الشعوب والمُجتمعات ككُل" ويعتبر نَقد أي ظاهرة فيها "مُحاربة لها ومحاولة لتشويهها"، ولا أبالي إن كان بعد كلامي هذا سيُفارقُ البعضْ، فلستُ مُتملقًا ولا أحُب التزييف، مجتمع يَعُج بالبشرَ فهو عُرضة لتسرّب الشر، مهما كان ضئيلاً أو كثيفًا، ولا يوجد شعب کامل أو برّاق.. ولا يوجد شعب مُثقّف، ولا يوجد شعب فاسد، ولا يوجد شعب نصّاب، ولا يوجد شعب عنصري، ولا يوجد شعب مُتكبّر، تلك خُدع وتنميطات محبوكة بدقة لتخذل وتذيب قيمة الإنسان وفردانيته.. يوجد فرد صالح وفرد طالح.. فقط، ومن لا يتقبّل النَقد، ويُحب فقط المجاملة والكثير من المُجاملة، فليُراجع نفسه!

لأنَّ نَبذ المختلفين سيولّد بداخلهم حقدًا دفينًا مبررًا تجاه المُجتمع، وسيجعلهم يُشكلون تكتلات، يشعرون فيها بالانتماء، لأنهم يشعرون بالنبذ داخل مُجتمعهم، وهذه ظاهرة خطيرة على المدى البعيد، وأظنه يجب أخذها بعين الاعتبار، وكُلما تنامت الفجوة كلما كَثر المهاجرين من المُجتمع لتلك التكتّلات، ليُصبح مجتمعًا آخر داخل المُجتمع، وهذا ما أراه الآن قد غدا يحدُث بشدة.. ولاتحسبوا أنني آتٍ بكلامي من الفضَاء، لست أعمى ولي أعين ترى مجرد نصيحة محبة من شخص غيور على وطنه..

لنعترف بالنقص، لنعترف بالأخطاء، فذلك بداية الطريق لمعالجتها، وشكراً لمن سيقرأ كلامي ويتمعنه جيداً.. هنا میدان الحقيقة، والكل هنا سواسية.

 

آخر ما أود قوله: إنَّ أعظم الجهاد هو أن تضع سُمعتك على المحك لتقول كلمة حق تُؤمن بها، يخشَى الجميع قولها خوفاً على مكانتهم في أوساطِ الحشود.

تعليق عبر الفيس بوك